هل يتيح التحرر من فكر العبوديَّة صناعة المستقبل؟

منصة 2023/10/16
...

 هويدا محمد مصطفى
سؤال متاهة، يمكن تأويله مجازياً بأن الكتابة ضوء لفعل الولادة أي لفعل الوجود، مما يخلق المعنى بعد طول مخاض وفرط عناء.
سؤال يجعل من الكتابة النسائية حدثاً فلسفياً وطوراً حضاريا ً مهماً في تاريخ البشرية منذ القدم، طوراً خرجت فيه المرأة بكل أبعادها، من مناطق الصمت إلى عتبات التعبير وفضاءات التنوير، لكنه سؤال مثير للجدل حول الخصوصيات التي تطبع كتابتها، بماهي تعبير عن عوالمها الحميمة وقناعاتها وأفكارها وشعاراتها الأيديولوجية، ويحتد الجدل أكثر عندما تتعلق الأسئلة بكتابات المرأة العربية، بكل الإرث الثقافي والحضاري الذي يحيط بحياتها ويسيج توقها الوجودي والجمالي بسياجين مختلفين في الظاهر، لكنهما يتفقان في الأصل.
سياج عين الرجل وحضوره في كتابات المرأة العربية، والسياج الآخر يكمن فيما ترسب في شخصيتها من تناقض أوتغيير في عوالم مختلفة، تتفاعل مع المرأة ذاتها وبين الرغبة والسعي للتنوير والبحث عن الذات عند المرأة المبدعة والسؤال يبقى هل يمكن للمرأة المبدعة أن تصنع المستقبل وأن تتجرأ، كما تجرأت فتحررت من ربقة الاستعباد والصمت؟ أسئلة كثيرة يثير التساؤل الدوافع والخصوصيات والغايات، وإشكاليات التمييز بين الرجل والمرأة. وهذا ماسنقرأه في آراء عدة أدباء
يقول الأديب رياض طبره، إن: صورة المرأة العربية شاعرة أو ساردة (نفسها/المرأة) هذه الصورة أخذت حيزاً دالاً معبراً عن حضورها في الحياة، لذلك أقول إن المرأة تكتب كي تؤسس حضورها، لا في الواقع الذي غيبت عنه طويلاً فقط، بل في الواقع الإنساني بشموليته ،الواقع الذي وضعت فيه في زاوية منحنية ومنسية فهي تكتب كي تعبر عن حركة وجودها كي تنهض بذاتها وبالحياة في أرقى أشكالها وتجلياتها الكتابة المبدعة امكانية كل امرأة لأنها (فعل أنوثة) كما يقول غاستون باشلار: الإبداع يعتمد الحدس والشفافية والطلاقة والعمق وهي جوهر الأنوثة وحقيقتها والكتابة تبعث من الصراع الداخلي بين المكبوت والمعلن تكتب لرغبتها في أن يفهمها العالم، وأن تكون مقروءة مسموعة، لها رؤيتها
ورأيها.
وتقول الأديبة سعاد محمد، إن: للإنسان وسائله التعبيرية المتباينة، والتي تتوقف على بنيته الحسية، الفكرية، النفسية والاجتماعية.. البعض يعبر عن نفسه بعنف ناطق أو صامت، هذا بالنسبة لمن يعجز عن عبور جسر الكلمة! والبعض الآخر يعبر عن ذاته وهواجسها بالأفعال الناعمة، كالفن والأدب الكتابة إحدى الأفعال التعبيرية السامية التي يقوم بها من يمتلك أدواتها، والمرأة كالرجل كائن له إحساسه الخاص، ثقافته، لغته، خياله، وأهدافه من دخول هذا العالم الخاص والممتع.. أما عن اشكاليات الكتابة عند المرأة، فأبرزها أنها مضطرة دائماً للدفاع عن الرجل، وإن توخينا الدقة للاحظنا أن شاعر العصر الأبرز نزار قباني قد كتب عن المرأة مايفوق كل ماكتبته الشاعرات مجتمعات عن
الرجل..!
هذه التهمة صادرة عن فكر رجعي يصر على أن تقف المرأة في كل مكان من الحياة خلف الرجل، فحتى لو كانت هذه التهمة في أحد وجوهها الناصفة محقة بعض الشيء، فهو أمر يحسب للمرأة ،فلطالما كانت العاطفة وطن لابديل للإنسانية عنه بالنسبة لي أجد أن المرأة المبحرة في عالم الكتابة بدراية وإتقان ،وهي المحكومة بالأعباء العائلية والاجتماعية الجسيمة، فهو أمر يستحق الاعجاب والاحترام وذات يوم ليس ببعيد، ستنزع المرأة اعتراف الرجل، وباقتناع عميق، بأنه لا يزيدها شيئاً إلا ولعه الموروث بالانفراد بلقب البطولة.
أما رئيس فرع إتحاد الكتاب العرب بحمص الشاعرة أميمة ابراهيم تقول: إشكالية الإبداع عند المرأة أو لماذا تكتب المرأة، أنا أجد إشكالية كبيرة في السؤال بحد ذاته أرفض بالمطلق تخصيص الإبداع كأن أقول إبداع نسوي وإبداع ذكوري.. الإبداع حالة تخص الشخص المبدع بغض النظر عن كونه ذكر أم أنثى -لماذا يكتب الرجل عندما أتساءل لماذا تكتب المرأة يجب أيضاً أن أقول لماذا يكتب الرجل.
الكتابة فعل إبداعي فقد يكتب الرجل والمرأة والطفل والشيخ عندما يجد نفسه مؤهلاً لهذا الفعل الخلاق الكاتب يكتب ليقول أنا هنا.. ليعبر عن فيوضات أفكاره كي يحدث تغييراً في المجتمع فالكتابة رسالة سامية تخص كلا
الجنسين .
وتؤكد الروائية أليسار عمران، أن: الإبداع موهبة من الله يتفرد به الإنسان سواء أنثى أو رجل يختص به الأنثى الخجولة تحديداً، والمتمردة خصوصاً، لأن عقلها الذي يشاغب الأسئلة الوجودية قد لا يتوقف عن البحث والاستسقصاء وكيف يقبل الرجل والنقاد بهذا الموضوع فهو لا يتعلق بثقافة الناقد وعمقه أولاً، وتجربته الإنسانية ثانياً، وأفضل النقاد هم الشعراء الحقيقيون القادرون على مجارات عمقها المبدع المنفرد والرجل بشكل عام يعشق الأنثى الشاعرة ولكن بشرط أن لا تكون زوجته في الأغلب، ولو قرأت تاريخ المبدعات كنوال السعداوي لوجدت كم التحدي الهائل الذي تواجهه الأنثى المبدعة ثمة فكرة طاغية على عقل الرجل، أن الإبداع حالة مخيفة،وهي بالفعل مخيفة، في حال لم يبدأ عقله باحترام تجددها والثورة على ذاته ليتجدد معها عقل الانثى المبدعة، عقل ذكي ومبدع ومتمرد، يحاول تكسير القوانين السائدة حوله دائماً، لخلق عالم أجمل، فهي التي ترفض أن تكون مجرد جسد ووعاء للإنجاب والخدمات المنزلية ولو أني أجزم أن أنوثة المرأة المبدعة تفيض حتى على نكهة طعامها في المطبخ، تكتب المرأة من معاناة لأن المعاناة محبرة الإبداع ولابد أنك قرأت عن مئات المبدعين والمبدعات الذين انتحروا، واطلب من المجتمعات حين تقرأ لأحد المبدعين أو المبدعات، أن تربت على جبين كتاباتهم، وتقول لهم كلمات لطيفة يكفيهم مايعانونه من ألم، المبدع هو إنسان قتله الغباء حوله فتمرد ووجد طريقاً يثقب به جلد معاناته، متحولاً إلى ناي وجودي
لا يغني.