عواطف مدلول
يقف الهوس بالسعي خلف الجمال الأبدي والشباب الدائم، أمام الإدمان على الموبايل والأجهزة الإلكترونية المختلفة، في معركة شرسة غير مرئية، وصراع حاد انطلق منذ السنوات الأخيرة، ابتدئ أول الأمر على مهل، دون أن يشعر به البشر بشكل مباشر، أما الآن وبحكم التطور الهائل الذي بات يتصاعد سريعا بصورة مذهلة بكلا المجالين، وبالوقت الذي أضحى فيه الفرد سهل التخلي عن كثير من تقاليده المعروفة، لاختصار كل أموره وتسهيلها، سواء بالعمل أو في الحياة عامة، بضغطة زر من خلال وسائل عديدة حديثة، فإنه بالمقابل يخسر الكثير من بريق وجهه وحيويته، أضعاف ما كان متوقعا أن يحصل له في المراحل المتقدمة من عمره فتحدث له شيخوخة مبكرة.
وبالرغم من أنّ الدراسات والبحوث التي وضعت بذلك الخصوص لا تكف عن تأكيد تلك الحقيقة، إلا أن الأمر كما يبدو خرج عن السيطرة، فلا يمكن أن يتوقف الإنسان عن التعامل مع هاتفه، الذي بات أقرب له من أهله وأصدقائه، لأنه يضم كل أسراره ولا يفارقه إلا أثناء الخلود للنوم، لا سيما ان التأثر السلبي يكاد يكون خفيا وبطيئا، حيث يزحف بهدوء تدريجي ليرسم ملامح أخرى للشخص، الذي يعتقد أنها حصلت بفعل الزمن، ويطمح أحيانا إلى علاجها باللجوء لطرقٍ وقتيَّة كمحاولة لمنع ظهورها أو إخفائها.
في السابق كانت النصيحة التي تقدم للجميع أن تكون هناك مسافة محددة آمنة، بين التلفزيون ومكان جلوس المشاهد، لضمان حمايته من ضوء الشاشة الضار بصحته من ناحية النظر والأعصاب، ومع ذلك كان لهذا الجهاز وقت معين بمجرد أن تنتهي آخر برامجه فإنه يقفل، ليذهب الكل وينعم بنومٍ عميقٍ بعد قضاء أمسية لساعة متأخرة مناسبة لأوقات السهر الاعتيادية، وذلك لا يمكن مقارنته بالثورة التي اقتحمت حياتنا وغيرت نمطها الهادئ السائد في الماضي، من خلال الاستخدام المكثف للهاتف والحاسوب لدرجة الافراط، وما ترتب على ذلك من مخاطر جسيمة على الصَّحة النفسيَّة والبدنيَّة.
انتشر مصطلح الشيخوخة الرقمية مؤخرا للتنبيه على ضرورة استعمال طرق واقية للضوء المنبعث من تلك الأجهزة، ومحاولة أخذ الحذر من تأثيراتها بمنح أنفسنا إجازة للتخلي عنها بين آونة وأخرى، والعودة للاستمتاع بالطبيعة، التي تعمل على تنشيط حيوية البشرة والجلد، الدعوة الجديدة التي لا يلتفت لها الشباب بالذات، لانغماسهم بالمزيد من المغريات التي تقدمها التكنولوجيا بلا توقف، وما رافقها من تحولات كبيرة على المستويات كافة جعلت الاعتماد الكلي عليها دون غيرها.