ياسر المتولي
تعتمد القرارات الاقتصادية في كل دول العالم على مؤشرات مستمدة من الأرقام والإحصاءات التي توفرها الدوائر الإحصائية .
ففي العام 2008 كتب المفكر الاقتصادي الراحل الأستاذ إسماعيل عبيد حمادي مقالاً حمل عنوان ( الخداع النقدي ) وأرسله على إيميلي الخاص باستلام المقالات من كتاب الاقتصاد في جريدة الصباح وقد قمت بنشره حينها فاستأثر بآراء الخبراء من العراق وخارجه وقد تخطَّى عدد قراء ذلك المقال أحد عشر ألف متصفح في يوم واحد.
كان ذلك المقال لمناسبة تعرض الاقتصاد العالمي إلى أكبر أزمة اقتصادية وكان سببها أزمة العقار الأميركية فانسحبت بتأثيراتها على كافة اقتصادات العالم ومازالت تأثيراتها تضرب في أطناب الاقتصادالعالمي .
واليوم أحاول أن اختزل مفردة الخداع لأعكسها على الأرقام الاقتصادية وذلك لقراءة ما إذا كانت القرارات الاقتصادية صحيحة ودقيقة أم أنها غير دقيقة وخاطئة وهنا توصلت من خلال بحثي إلى أن الأرقام والإحصاءات المتوفرة هي السبب وراء فشل محاولات إنقاذ التشوهات التي اتسم بها الاقتصاد العراقي .
والملاحظ أن أغلب الإحصاءات سواء لمستوى خط الفقر وكذلك لحجم البطالة هي أرقام تقديرية وهنا معيار الخطأ كبير في تقييم الأداء الاقتصادي ما يؤيد صحة الادعاء من أن خداع الأرقام الاقتصادية هيو السبب وراء اتخاذ القرارات غير الصحيحة .
إن السبب وراء هذا الخداع الرقمي يعود لعدم إجراء الإحصاء العام للسكان على مدى أكثر من عقدين من الزمن والذي يُعوَّل عليه في تحديد النسب الحقيقية لحجوم البطالة ونسب الفقر والحاجات الفعلية لأزمة السكن وغيرها من المفاصل المكوِّنة للاقتصاد .
من أجل ذلك كنا ولانزال ندعو إلى الكفِّ عن التصريحات الاقتصادية من قبل البعض من غير الاختصاصيين بنسب وأرقام على طريقة (إشبر وإعلن) لأنها تقود إلى قرارات خاطئة .
لايمكن إيجاد حل للمشكلات التي يعاني منها اقتصادنا مع هذا الكم الهائل من خبراء الاقتصاد الذين تصدِّرهم وتسوِّقهم وسائل الإعلام في وقت هم لايفقهون أبجدية الاقتصاد وكيف تعمل النظريات الاقتصادية فتبلي اقتصادنا بتصريحات
غير دقيقة ، فالحريص على إيجاد حل للتحديات الاقتصادية عليه أن يترك الأمر لأصحاب الاختصاص وعدم التشويش على مصادر القرار بمزاعم مستندة إلى خداع الأرقام الاقتصادية .
وأجزم بأن حتى معالجة التذبذب بسعر صرف الدولار تواجه صعوبة جرَّاء فوضى التكهُّنات والتوقعات من غير المعنيين والمختصين بالسياستين النقدية والمالية وبما يشوِّش على السوق وذلك لأن أثر الخداع الرقمي أكبر بكثير من الشائعات في أيام الأزمات
المفروض ترك القائمين على السياسة النقدية من التعاطي مع الأسعار وعدم التشويش على أصحاب القرار
وللعلم فإن كبريات البنوك المركزية في العالم بنت قرارات على تنبوءات مستقبلية واعتمدت سياسات أدت إلى انحرافات بسبب سوء التقديرات الكمية، فكيف يمكن للسوق أن تتخذ قرارات إذا كانت أجهزة الإحصاء الرسمية لاتوفر المعلومات الصادقة عن الاقتصاد؟ هي مشكلة في أقوى الاقتصادات التي تتمتع ببنى تحية إحصائية رصينة ، فكيف في بلادنا التي تنحرف فيها الإحصاءات عن الواقع .