عامر جليل إبراهيم
تصوير: إعلام الأمانة العامة للمزارات الشيعيَّة
تتميّز مدينة كربلاء أطهرُ بقاعِ الأرض وأعظمها حرمة، باحتضانها أجساد الأولياء عليهم السلام، من أنبياء وأوصياء وصلحاء، ورجال عظماء خلدهم التاريخ بعلمهم وفضلهم وشجاعتهم ودفاعهم عن الدين والعقيدة، ففي كل ناحية وضاحية من كربلاء نجد مراقد منيرة لعترة طاهرة سمت في سماء الفداء يقصدهم محبوهم من جميع أنحاء العالم للزيارة واستلهام الدروس والعبر من سيرهم الشريفة. من هذه المعالم المقدسة في قضاء عين التمر في محافظة كربلاء المقدسة مزار أحمد بن هاشم، يقع المزار في الجهة الغربيَّة لقضاء عين التمر ويبعد عن مركز القضاء قرابة 20 كيلومتراً وعن محافظة كربلاء بحوالي 80 الى 90 كيلومتراً، تأمه الناس من كل حدب وصوب.
(الصباح) وفي سعيها للتعريف بالأماكن السياحيَّة والدينيَّة زارت هذا المكان والتقت سماحة الشيخ عقيل الحمداني المؤرخ والباحث التاريخي والخطيب الحسيني ليحدثنا عن نسب صاحب هذا المرقد الطاهر وحياته.
أعلام القرنين
عن نسبه الطاهر يقول الشيخ عقيل الحمداني: «هو السيد أحمد ناظر رأس العين بن محمد ابو الفائز بن أبي جعفر بن محمد بن علي بن أبي فويرة بن أبي جعفر محمد الحبر خير العمال بن علي المجدوع بن أبي الطيب أحمد بن محمد الحائري بن إبراهيم المجاب بن محمد العابد بن الإمام موسى ابن
جعفر (ع)».
ويضيف الشيخ الحمداني قائلاً: «للأسف لم تترجم المصادر مكان وتاريخ ولادته، إنَّما أشارت الى تاريخ وفاته سنة 745هـ، وإذا احتملنا عمره الشريف تجاوز الستين فيكون من أعلام القرنين السابع والثامن الهجريين، عاش ردحاً من حياته في بغداد لكنَّ هنالك سبباً كبيراً لخروجه منها عندما طلب منه ما يسمى بالرشيد الطبيب وهو طبيب السلطان (محمد خدا بندة) قتل أحد علماء الشيعة وهو السيد تاج الدين الآوي مع ولديه حسين وعلي بوصفهم خرجوا عن سيرة الوزير يومها فرفض ذلك واضطرَّ للخروج من بغداد وجاء متخفياً الى قبر الإمام الحسين (ع) وسكن في الحائر الشريف في كربلاء ثم سكن عين
التمر».
ناظر العين
لقب السيد أحمد بن هاشم عبر التاريخ بـ»ناظر العين» ولفظ العين هنا يشير الى مدينة «عين التمر» التي تبعد 20 كيلومتراً عن هذا المزار، لُقّبَ بذلك بعد مجيء القائد العسكري تيمور أو المعروف بتيمورلنك (يختلف تيمورلنك هذا عن
المغولي ذاك) فهو أحد القيادات العسكريَّة الذي هرب في إحدى المعارك ولجأ الى منطقة عين التمر أو الوادي الأسود التي كانت تسمى يومها، أكرم هذا القائد السيد أحمد بن محمد ناظر العين ووظفه وأعطاه الريادة بأنْ يكون ناظراً للعين أي مسؤولاً إدارياً لمنطقة عين التمر وما والاها من المدن وصولاً الى كربلاء، فأصبح يتمتع بحكمٍ إداري، فضلاً عن وظيفته الدينيَّة في نشر فكر أهل البيت عليهم
السلام.
فبدأت صفحة جديدة في حياة السيد أحمد بن محمد، والمعروف بأنَّه تولى رقعة كبيرة، لا سيما أنَّ كربلاء لها ثقلها الديني آنذاك، علاوة على إدارته للأمور التي كان موكلاً بها من قبل الحاكم يومها، وبقي ناشراً لعلوم أجداده آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر الى وفاته في سنة 745هـ عندما دفن في هذا القبر الشريف وبعض النصوص تتكلم عن أنَّ بعضاً من أقربائه دفنوا
هنا».
كلمة الشهادة
الأمين الخاص للمزار هاشم إبراهيم كاظم، سلَّطَ لنا الضوء على هذا المرقد ومراحل إعماره بالقول: «قبل العام 1991م كان هناك قبرٌ صغيرٌ فوقه قبة صغيرة يأتيه الزوار من كربلاء والمناطق المجاورة وفي العام 1991م تمَّ هدمُ المرقد بشكلٍ عامٍ وتمَّ بناؤه بهندسة معماريَّة تليقُ بصاحب المرقد من قبل مجموعة من المتبرعين».
في العام 2004م جُدّدَ المزار بأرضيَّة من المرمر وطابوق الجف قيم، وبعدها في العام 2008 تمَّ ضمُّ المزار الى ديوان الوقف الشيعي/ الأمانة العامة للمزارات الشيعيَّة حسب قانون 19، ليتم بعدها تغيير شباك المرقد الشريف في العام 2009 من قبل متبرعين، ثم تمَّ تغييرُ باب القبلة وتغليف مدخل المزار بالكاشي الكربلائي من قبل الأمانة العامَّة للمزارات الشيعيَّة في العام 2013، أما في العام 2021، فتمَّ استحصال مبلغٍ من قبل محافظ كربلاء المقدسة لتغليف قبَّة المزار والجدران الداخليَّة بالتزجيج بالمرايا، وفي العام 2022 تمَّ استحصالُ موافقة من محافظ كربلاء بتغيير الكاشي القديم للقبة من الخارج واستبداله بأرضيَّة جديدة ذات نقوشٍ إسلاميَّة كتبت عليها كلمة الشهادة».
إعمار
وبشأن تفاصيل المزار التقينا المهندس زيدون الدفاعي مسؤول الشعبة الهندسيَّة لمزارات كربلاء إذ قال: «تبلغ مساحة الأراضي التابعة للمزار الشريف أكثر من 20 دونماً موقوفة وقفاً عامَّاً، أما مساحة المزار الشريف فأكثر من 3000 متر مربع، إذ إنَّ أبعاد الصحن الشريف (35× 86) متراً، ومساحة الحرم 315 متراً مربعاً، وأبعاد الحرم (14 × 22،5) متراً، ويبلغ ارتفاع الحرم 5 أمتار، ويقع القبر الشريف في وسط الحرم تماماً، ويبلغ قطر القبة 6 أمتار وارتفاعها 11 متراً، والطوارم المحيطة بالمزار تمَّ بناؤها في ثمانينيات القرن الماضي باستخدام أعمدة حديديَّة وعقادة السقف بالشيلمان والحجر، وفي العام 2010 قامت محافظة كربلاء المقدسة بإجراء أعمال صيانة للمزار شملت تغليف الأعمدة الحديديَّة بالطابوق الجف قيم وعمل كتيبة قرآنيَّة في واجهة الطوارم من الكاشي الكربلائي بطول 250 متراً، كذلك تغليف الأرضيَّة للصحن الشريف بالمرمر التركي وبمساحة 2700 مترِ مربعٍ، وأرضيَّة الحرم بمساحة 310 أمتار مربعة، وشمل العمل كذلك حفر بئر جديدة لتزويد منظومة تصفية المياه التي تخدم الزوار والتي تمَّ التبرع بها عام 2010 من إحدى المنظمات المجتمعيَّة، وشمل العمل كذلك تغليف قبة المزار بالكاشي الكربلائي وتأهيل المزار بصورة كاملة بعد أنْ كان مهملاً.
وفي العام 2022، قامت الأمانة العامة للمزارات الشيعيَّة بتغليف جدران الحرم بالمرمر التركي، وفي الوقت ذاته وجَّهَ محافظ كربلاء المقدسة بتغليف جدران الحرم والسقف وباطن القبة بالمرايا العين كار وتغليف الواجهات الخارجيَّة للحرم بالطابوق الجف قيم والكاشي الكربلائي، وتجري الآن وبرعاية محافظ كربلاء المقدسة أعمال إعادة تغليف القبة بالكاشي الكربلائي».
مواسم الزيارة
وعن زيارة السيد أحمد بن هاشم والنشاطات التي تقام في المزار الشريف يقول الأمين الخاص: «بالنسبة الى زيارة المرقد فهي زيارة موسميَّة في موسم الخريف وأغلب الزائرين هم من كربلاء والمناطق المجاورة ويستوعب المزار أكثر من 2000 زائر، والزيارة الموسميَّة تكون في الشهرين العاشر والحادي عشر وفي أعياد نوروز والربيع ويكثر الزائرون أيام الخميس والجمعة والسبت ويكون مجيء الزائرين بالتناوب، أما عن النشاطات التي تقام داخل المزار فإنَّنا نحيي جميع مناسبات الولادات والوفيات للأئمة الأطهار وأعياد نوروز كل عام داخل المرقد الشريف».