الدقَّة في الصحافة الاقتصادية

اقتصادية 2023/10/19
...

محمد شريف أبو ميسم 



من مميزات المشتغلين بالكتابة في كل أجناسها، انهم أكثر دقة في استخدام المفردات وفي صناعة التوصيفات، فما بالك بالصحفي المختص بالصحافة الاقتصادية، إذ يتسم هذا الفرع من فروع شجرة الصحافة بالدقة وهو بصدد رصد أخبار المال والأعمال والمعطيات الاقتصادية التي تحدث في المشهد المجتمعي وحركة الأسواق ومن ثم تحليلها وتفسيرها في مساحات تختلف بين الصحافة والإعلام المتخصص وغير المتخصص، وتبقى سمة الدقة هي الغالبة على ملامح المادة الصحفية سواء في صناعة أو نشر الخبر أو نقل التصريح وكذلك في إعداد التقارير.

والدقة لازمة من لوازم الأمانة الصحفية، ومن نافل القول أن يميز الصحفي الاقتصادي بين المفردات الاقتصادية وأن لا يجتزئ بهدف الإثارة واستدراج الرأي العام نحو ضجَّة أو سبق وهمي، من قبيل "إن البلاد ستحظر السحب النقدي والمعاملات بالدولار اعتباراً من الأول من يناير/ كانون الثاني 2024". فيما يراد بالخبر هو إيقاف السحب النقدي بالدولار للحوالات الواردة من خارج العراق ابتداء من مطلع العام 2024، ولا تشمل أرصدة المواطنين بالدولار الأميركي بحسب بيان صادر عن البنك المركزي.

إذ لا يعقل اتخاذ مثل هكذا إجراء في بلد تحاول فيه الجهات ذات العلاقة جاهدة تحقيق الاستقرار النقدي وخلق بيئة أعمال مناسبة قادرة على جذب الاستثمارات الأجنبية؟ ولا يعقل أن تتخذ الجهات المعنية خطوات توقع الضرر بحقوق المودعين في المصارف وهي تتبنى برنامج الشمول المالي القائم على صناعة الثقة بين الجمهور والمؤسسات المالية، ما يعني أن لا حقيقة في المحتوى سوى أنه دعاية لصناعة الضجيج في أسواق المال والأعمال ومحاولة للإضرار بأدوات السياسة النقدية التي تحاول تحقيق الاستقرار النقدي. 

ولسنا هنا بصدد الدفاع عن البنك المركزي، فهو يمتلك من القدرة ما يؤكد عدم دقة ما ورد في هذه التصريحات وأن حماية ودائع الجمهور أمر مضمون، وحق السحب حق أصيل وليس مكتسباً أو هبة من المصارف، لا بل أن المصارف مُلزمة بمنح هذا الحق لزبائنها، وبخلافه فإن المركزي وشركة ضمان الودائع هما المسؤولان عن إعادة الحق لأصحابه وفق القانون والتعليمات النافذة.

الأدهى من ذلك أن ذات التقرير الصحفي الذي تكلم عن هذه المغالطات وضجَّت به مواقع التواصل تضمَّن توقعات بوصول سعر الصرف إلى مستوى غير مسبوق، ما أضر كثيراً بأدوات السياسة النقدية وأسعار الصرف ، في وقت تجتهد فيه الجهات ذات العلاقة في تصدِّيها للسوق السوداء بهدف تحقيق الاستقرار النقدي، الأمر الذي يؤكد القصدية في حالة عدم الدقة التي تكلمنا عنها، وهنا يكون للمتضرر كل الحق في اللجوء إلى القضاء.