الولاء للدولة

العراق 2019/05/10
...

حسين العادلي
الولاء للدولة من أساسيات بقاء الأمم الوطنية/الدول، وإذا ما انتفى الولاء فلا قيمة حقيقية للانتماء الوطني، فسيكون الولاء عندها انتماء (جنسية/ تابعية) صوريا وليس انتماء (مواطنية) جوهريا. 
الولاء لازم وجودي للدولة، ولا دولة ناجحة دونما اندكاك رعاياها بالولاء لها، سواء في التعامل مع قوانينها ومؤسساتها ومصالحها، أو في التعاطي مع التحديات الخارجية التي تواجهها. إنَّ الولاء الوطني هو جوهر مواطنية جمهور الدولة، والماسك بديمومتها ومنّعتها وسيادتها.
ينتج ويتكامل الولاء بدولة المواطنة الديمقراطية العادلة التي تعبّر بحق عن جميع رعاياها دونما تمييز وتحقق مصالحهم من خلال حكم رشيد فعّال،.. ويضعف الولاء ويتآكل بالدولة الشمولية والدكتاتورية والمبتلعة من نخبها وأحزابها ومراكز النفوذ فيها،.. فلا نتوقع ولاء فاعلاً للدولة الفاقدة للعدالة والمساواة والكرامة، أو الدولة التي تصيّرها السلطات إلى قيد وسجن، أو الدولة التي تتحول إلى مرتع لأصحاب القوة 
والنفوذ.
كما يتهدد الولاء بظلم وفشل سلطات الدولة، كذلك يتهدد بالمواطنية السلبية أو الجهوية المأسورة بالمصالح الفئوية، فأهم اختبارات الولاء للدولة يتمثل بمبادئ (الاعتراف والالتزام والمسؤولية والتضامن) بين ثلاثي (السلطات والشعب والتحديات). ولن ينجح مشروع دولة إلّا بتبادلية الاعتراف والرعاية والحماية والولاء بين الدولة 
ورعاياها.
يتهدد الولاء للدولة في الأمم التي تعيش الولاءات الفرعية كولاءات رئيسة داخل الدولة، أو في الأمم الفاقدة لإمكانية التعايش بعدالة ومساواة. إنَّ جميع الولاءات الفرعية مشروعة ما لم تُؤسِّس لكانتونات الولاء على حساب الولاء للدولة، فالولاءات المجتمعية الخاصة للمواطنين حق طبيعي ليس للدولة محاربته أو تحجيمه ما لم يكن على حساب الولاء لها. ولا ازدواجية هنا في الولاء، لأنَّ الولاء الفرعي هو تعبير عن الهوية الفرعية لمكوّنات الدولة تشتغل في الحيّز المجتمعي لا الحيّز السياسي القانوني الوطني، وتبقى الدولة عندها مؤسسة وطنية جامعة ومحايدة تجاه رعاياها على تنوع هوياتهم الفرعية، وهي ملتزمة بدرجة واحدة من العلاقة القائمة على أساس (المواطنة) تجاه رعاياها، لا تصادر ولاءاتهم الخاصة ولا تفرض عليهم ولاء محدداً إلاّ الولاء لقوانينها ومؤسستها وسيادتها، فالولاء للدولة هنا هو ولاء للمشترك بين رعاياها (أرض/ سلطات/ مصالح/ سيادة)، والولاءات الخاصة للمواطنين في ما هو عِرقي أو طائفي أو ثقافي هو مجتمعي خاص لا يكون على حساب الانتماء للوطن والولاء للدولة،.. ومتى ما تم تفضيل أو تقديم الولاء الخاص على الولاء العام للدولة، أو تم فرض ولاء محدد على مواطني الدولة غير الولاء المشترك للدولة، عندها ستحدث القطيعة بين الدولة ورعاياها، فيتهدد كيان الدولة 
الوطني.  العصبيات العقدية والعصبويات المجتمعية والعصابات السياسية ثلاثي هادم للولاء الوطني، ودونما دولة غير مؤدلجة وغير منحازة، ودونما مجتمع تضامني ملتزم، ودونما سلطات تستجيب بكفاءة لمتطلبات الشعب، ودونما قوى سياسية تعي اشتراطات العمل بالدولة الحديثة، فلا ولاء وطنياً راسخاً يشد أركان الدولة. كما يتهدد الولاء للدولة بالأنويات والحزبويات التي تجعل نفسها أكبر من الدولة، كذلك يتهدد بالسلطات الفاشلة والفاقدة لقدرة الضبط والإدارة، ويتهدد بتغول الجماعات عليها وتبعية البعض للأجنبي،.. فمسطرة الولاء للدولة كما لا تحتمل الظلم والتمييز والفشل، كذلك، لا تحتمل الفوضى والتمرد وانحلال الدولة. الولاء نتاج طبيعي للدولة 
الناجحة.