لا شك ان خطوة تأسيس اول محطة اذاعية لاسلكية في العراق بزمن المرحوم الملك غازي.. اواسط الثلاثينيات، لها اثر في نشر ثقافة جديدة لم يعتد عليها المجتمع العراقي المنغلق والمحافظ بتقاليده واطلاعه المحدود في شتى مجالات التطور الحديثة.
لذلك فقد استقبل الناس هذا الصندوق الخشبي الغريب عليهم بالتعجب والاندهاش وعدم التصديق والريبة.. والحق معهم، اذ انهم لم يألفوه من قبل في حياتهم، خاصة وانه يظهر اصواتاً، مثل تلاوة القرآن الكريم ونشرات الاخبار والمعزوفات الموسيقية والغناء والمعلومات؛ لذلك كان المستمعون مبهورين يبحلقون طويلاً في الجهة الخلفية لجهاز الراديو؛ علهم يحظون برؤية من يسمعون اصواتهم
داخله!
ليس هذا فقط.. ومع تقبل الناس لذلك الجهاز الساحر رويداً رويداً وبمرور الوقت والايام وبعد ان عرفوا أن هناك محطة لاسلكية تقع في الصالحية تبث البرنامج الاذاعي اليومي على مرحلتين.. صباحية ومسائية، دفع ببعضهم حب الاستطلاع الى التوجه حيث الصالحية لمشاهدة “البنكلة” الحديدية القديمة، التي تضم مرسلات واجهزة الاذاعة، وهي تبث مباشرة على الهواء، من دون تسجيل؛ لعدم توفر الأجهزة اللازمة آنذاك، في تلك الاذاعة الناشئة.
وهكذا تراهم يتجادلون في احاديثهم، التي تدور في مقاهي جانب الكرخ القريبة من محطة الاذاعة، عن ماهية هذا الابتكار المدهش.. بل ويتمنون دخول البنكلة لمعرفة الاسرار القابعة فيها، وهل ان الاصوات التي تأتي مسامعهم عبر جهاز الراديو “ابو اللمبات” هي لناس عاديين مثلهم ام هم من الجن ام مخلوقات غريبة
اخرى.الاطرف من ذلك ان معظم الافراد الذين كانوا يستمعون للاذاعة في المقاهي هم من بسطاء الطبقات الاجتماعية المسحوقة بل اكثرهم من الاميين الذين لا يجيدون القراءة والكتابة، يطلقون تسميات غريبة على هذا الزائر في حياتهم، منها “الراجون” و”الرادون” والراديون” و”الرايدون” على جهاز الراديو، و”الاداعة” على الاذاعة.. هلم
جرا!!