بمناسبة ذكرى رحيله.. سمير صبيح شاعر المهمشين

ثقافة شعبية 2023/10/26
...

 سعد صاحب


يحمل شعر سمير صبيح ثنائيات متناقضة ، في نفس الأبيات المتجاورة، دون أن يتقصد بذلك، وهذا ما يجعل القصيدة تقترب من الفلسفة والفكر والابحار العميق، على سبيل المثال : المدح والذم ،الانكسار والقوة، الثورة والسكون، الحب والرفض، التوافق والتضاد، والكثير من الاشياء الضرورية لكتابة نص جميل .
(احركني كتله حطب / بيه ادفه وانه احتمل / كيف حركني ودفه / وطفاني بعد الحرك / كتله ضميرك صحه / لا كال اريدك فحم / مرتين راد اشتعل ).

صور
تعلم من أستاذه الشاعر الكبير كاظم الكاطع، الاهتمام بالصورة الشعريّة، وإعطائها صفة الاولوية في النسيج العام للقصيدة، وجراء هذا التأثر الواضح، جاءت قصيدته حافلة بالصور المركزة، ذات المنحى الخاص والمعتمدة في مرجعياتها: على المثل الشعبيّ والقصة التراثيَّة والشعر الفصّيح وتجارب الناس ومجالس العشائر وحكايات المضيف، ومحاكاة الاضمار في لهجة أهل الجنوب البليغة، ونباهتهم السحرية بالتعامل اليومي مع الكلام، وكان ذكيا بألتقاط الاثمار من الاغصان المجاورة .( ضميت السوالف غصبن اعلى الروح / لان ادري الصدك من ينحجي يبزز / شربت الحزن من دمي انه سنين / شربته دمع من كال لي معوز / اكمز ع العنب ما لوحه اديه اكصار / خلصت العمر ع المامش اتكمز ).

مشهد شائك
اهم اشتغالاته كشف اللامرئي من المشهد الشائك، وشد العزم على كتابة بلا زوائد، والبحث عن كل مفاجئ لذائقة القارئ الكريم، وعدم ترك الفراغات وتفسير الغموض، وما يهمه الحدث العياني الذي يبني عليه افكارا خيالية، او يكتفي به فقط بلا تدخلات .
( درخيلي الحبل ما عندي جنح يطير / دم رجلي انحصر واحبالك تحزز / لتلوم الزرع من يفسد من الريح / البراد اعلى الدفوا لو سير يفزز / كلبك موكلب صخره وعليها اضلوع / ونه حالي نسيم بصخرتك شيهز ).

بطولة
نحن نكره الحروب لأنّها تدمر الوجود، لكننا قسرا نخوضها مجبرين، وماذا يفعل صاحب البيت الذي يطرد من داره مجبرا؟ سوى أن يحمل السلام ويقاتل إلى الرمق الاخير، ربما يخسر الحرب او يموت تحت الانقاض، ويكفيه بطولة أنّه مات في شرف، ميته يحسده عليها الاعداء قبل الاصدقاء ، وصاحب الموقف النبيل ، يدخل في الضمائر النقية من اوسع الأبواب .( وبروحي لكعة حزن / ما تنمحي من ابتسم / بالماي ما تنغسل / بعكازه اشوف الدرب / المرود كسرته بدي / والله استحي من الكحل / وامنيتي اظل وحدي / البدوي حياته تعب / ضيم وسموم وعطش / بس المهم منعزل / اللي يطب معركه / ويطيح وسط
العدو / ويموت موتة شرف / خل الجسد ينسحل ).

سبك شعري
يكتب بالطريقة الكلاسيكية، وأعني الشعر العمودي الملتزم بالقافية والوزن، وبعدد التفعيلات التي لا تقبل الزيادة والنقصان، وهكذا مسألة حسابية ذات الايقاع الرتيب، تحتاج إلى سبك شعري رصين، واختيار موضوعات تلامس الوجدان، وإلى ازميل ذهبي به ينحت الأبيات نحتا، كما ينحت الفنان التماثيل، وقد قطع مسافة في هذا المضمار . (اختلفت والاسد خلوه مرياع / الغنم تاهت ولا يحتاج تأويل / وهبل واللاة ردت هاي الايام / وردت ناس تركع للتماثيل / عشر اظهور هذا الهم ورثناه / ونورثه الغيرنه التوهم كصاميل / جمر جوه الرماد وساكنه النار / اقل نفخه الفراش يصير ابابيل / واجتك للحلك لتعوفهه تضيع / ولا تنطيهه فرصه العالت تعيل ).

هم وطني
الهم بكل تجلياته الوطنية يرافقه كتفا بكتف، او خطوة بخطوة في مسار طويل، وهذا الوجع الكثيف ليس عدوا للفرح، ولا ضد الطقوس التفاؤلية الباسمة، أنه يمدنا بالعزيمة، ويقف بمواجهة افراغ الحياة من محتواها الانساني العظيم .( يريدونك تضيع وانته نور بليل / وتموت من العطش بالماي يردونك / ويضيعونك عجيب وانته مثل الريح / وين بيا مكان تضيع يلكونك / مشوك بدرب ما فات جدمك بيه / حتى تضيع كلش شدوا عيونك  / وغشوا عينك واديك مزنجله ومجتوف / تهد هدة اسد لو ناس ينخونك ).