غنائيَّة الموروث الفلسطينيّ

ثقافة شعبية 2023/10/26
...

كاظم غيلان

تعتمد المنجزات الإبداعية للشعوب بموروثاتها فهي جذور نجاحات حاضرها ، ويتصدر الغناء واجهة تلك الإبداعات بوصفه الانعكاس الأشد وضوحا لهوية تلك الشعوب جمالياً ووطنياً.
حظيت في ظهيرة سبعينية بكتاب صادر عن الإعلام الفلسطينيّ المعني بالموروث الشعبيّ وكانت عينته البحثية ( قرية ترمسيعيا) والتي هي واحدة من قرى الضفة الغربية ، ومن خلاله رحت أتابع بشغف مافي فلسطين من فولكلور وتراث
شعبيين .
فوجدت في غناء الموروث مايعكس ذلك الأسى الذي عاشه ويعيشه إنسان هذه الأرض المستلبة والتي يراهن إنسانها على انتصار وجوده الذي ما انفكت قوى دوليّة كبرى على تمزيقه ومحو هويته من الوجود الذي كفلته قوانين ومعاهدات دوليَّة ضربها ويضربها اعداؤه عرض الحائط .
في الغناء ينطق الألم مثلما تنطق البهجة، وفيه تلمح الإنسان مقاربا من مشهد الطير الذي يغني وهو مذبوح من الألم  وليس له من متنفس سوى المواليا:
(يما مويل الهوى
يما مويليه
ضرب الخناجر ولا
حكم الندل بيه)
وأن لم تخني الذاكرة فهذا ما وظفه محمود درويش بإحدى قصائده .
الغناء غذاء الإنسان في أي زمان عاشه ويعيشه، مثلما هو غذاء حتى لبعض الحيوانات ولنا في الحداء البدوي خير مثال حيث يعين النوق على تحمل مشاق الصحراء والظمأ والشمس التي تحرق القفا ،ولكم تذكرت هذا حين أشد نظري لبعض تلك القوافل الرحالة من شباك المنشأة التي أكون فيها ونحن نخترق بادية الشام ، وأصر مع نفسي :
-لابد وأن الغناء معهم .
في موروث الغناء الفلسطينيّ ارتبط الألم الإنساني مبكرا ليكون مجسدا حيا لقضية إنسان شائكة عصية الحلول ، ارتبطت بانتهاكات متتالية :
(يانايمه نوم الصبح
وش علمك نوم الصبح
شبان راحو للذبح
ورقاب بيض ونايمه)
أنَّ ألوانا من ذلك الغناء كـ( الدلعونه، ظريف الطول، الهاهات والعتابا) أعطت للغناء الفلسطينيّ خصوصية وتفردا لم تتمكن سلطات الاحتلال من محوه لأنه وريث الإنسان الفلسطينيّ نفسه وراحت الأجيال تتداوله كجزء من تاريخها الشفاهي ، بقي ملكا صرفا لذاكرة جمعية تقاوم ثقافة الاحتلال برغم ما أمتلكت من قدرات فنيّة واعلاميَّة وعسكريَّة ، برغم البطش والقمع الذي لاينتهي .