القضيّة الفلسطينيَّة ونشأة الأحزاب الإسلاميَّة

منصة 2023/10/29
...

  د. طه ياسين 

هناك من يذهب إلى اعتبار القضية الفلسطينيَّة محكاً ومنعطفاً لنشأة أحزاب سياسية إسلامية علنية وسرية في العالم الإسلامي، وهذا كرد فعل للاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينيّة، وكذلك كرد فعل على سياسة بعض الحكومات العربيَّة في موقفها من القضية الفلسطينيَّة، كما أن الجماهير حملت الأخيرة جانباً كبيراً من الفشل الذي لحق بخط المواجهة وضياع جزء كبير من الأراضي العربية في حروب عدة.

حيث يرى الدكتور رفعت السيد أحمد، أن تأسيس "حزب التحرير" الذي أنشاه تقي الدين النبهاني عام 1950، كرد فعل لهزيمة الجيوش العربية في حرب 1948، وكذلك يقال كرد فعل لاغتيال "حسن البنا"، وأن ثمة علاقات وثيقة كانت تربط هذا الحزب بالإخوان المسلمين في حرب 1948، وكذلك حرب 1967، وهذه الحروب كانت سبباً لتشظي الولاء للدولة، وانتشار التنظيمات السرية وزعزعة مفهوم الاستقرار السياسي، وقد ساعد أيضاً في ظهور حركات الإحياء الإسلامي انكسار المد القومي العربي وانحسار الثورة العربية بعد هزيمة 1967(الحركات الإسلامية في مصر وإيران، 84-92).

وقد أوجد الإخوان المسلمون في مصر صدى في أقطار إسلامية عدة ومن ضمنها العراق رغم الاختلاف في تاريخ نشأة الإخوان بين قائل في العام 1945، وبين قائل في أوائل الأربعينيات، وعرفت في بداية أمرها باسم" جمعية الاخوة الإسلامية"، وبين في عام 1948، لذلك فإن للقضية الفلسطينية تأثيراً على النشأة " وقد ساهم في وضع أسس الحركة أحد العلماء العراقيين الذين احتكوا مع حسن البنا عدة سنوات وهو الشيخ محمد محمود الصواف، وذلك عبر تأسيسه (جمعية إنقاذ فلسطين) عام 1948"( الخالدي، الاحزاب الإسلامية في الكويت، ص150).

وقد كسب ارتباط الاخوان بالقضية الفلسطينيَّة تعاطف الكثير من الذين انضموا إليها في جميع أنحاء العراق عرباً وكرداً، سنة وشيعة، وقد أرجع البعض تشكيل "جمعية الأخوة الإسلامية" في العراق إلى الصواف عام 1951، وأصدرت فيما بعد جريدة بعنوان" السجل" لتكون منطلقاً لنشر فكر الإخوان في جميع أنحاء العراق (الخزرجي، الاسلام والديمقراطية، ص180). 

وعلى الصعيد نفسه استطاع" حزب التحرير" الفلسطيني المنشأ، أن ينشر فروعه في الدول العربية ومنها العراق، وذلك في عام 1954، إذ كان من أبرز أعضائه الشهيد الشيخ عبد العزيز البدري، وصالح سرية، وعبد الغني الملاح، وعبد الغني الشمري، ومحمد الكواز، وغيرهم، حيث قدم هؤلاء طلباً إلى وزارة الداخلية لإجازته رسمياً فرفض الطلب، وقد نشط الحزب في مواجهة سياسة نوري السعيد، وقد تشظى الحزب فيما بعد، فمنهم من انتظم في حزب الدعوة، ومنهم من انتظم في منظمة التحرير الفلسطينية، والذي انتظم لهذه الاخيرة هو صالح سرية الذي قاد فيما بعد تنظيم الجهاد في مصر(فؤاد ابراهيم، الفقه والدولة، ص333).

إذن فإن إنشاء إسرائيل عام 1948، وهزيمة الجيوش العربية عام 1949 ولدتا إحساس بالألم في وعي الشعوب العربية وما يزال، فعلى سيبل المثال لا الحصر، إن منظمة العمل الإسلامي في العراق تعزو أحد أهم أسباب نشأتها إلى انتكاسة حرب 1967، حيث يقول الدكتور فؤاد إبراهيم، وهو في سياق الحديث عن بدايات تشكل الحركة الرسالية في العراق وفي طليعتها منظمة العمل الإسلامي "وفي وقوع نكسة 1967 استشعر جماعة من الطلبة المواظبين على حضور حلقات الدروس الدينية، الحاجة لتبني إصلاحات اجتماعية وسياسية كأحد أشكال التعبير الاجتماعي على النكسة، وبدأ رموز الحركة بقيادة السيد محمد الشيرازي بقراءة سياسية للتراث الديني والشيعي بوجه خاص وتجارب الأمم والحركات أثمرت في صدور طائفة من الكتابات الموجهة التي تندرج ضمن رؤية الحركة العامة لواقع الأمة. وهناك من يرى أن حرب 1967، قربت بين فصائل الحركة الإسلامية، كحزب الدعوة وجماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير، وأثمر هذا التقارب عن ولادة أكثر من مشروع ذي أهمية بالغة يتعلق بمجال العلاقات الخارجية للحركة الإسلاميَّة، حيث قام وفد عراقي (مشترك) رفيع المستوى بزيارات خاصة إلى بعض الدول الإسلامية عام 1967، شملت تركيا وافغانستان وباكستان والهند واندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وإيران، بهدف شرح ابعاد القضية الفلسطينيَّة، والاجتماع بالزعامات الدينية والرسمية في هذه البلدان، ودراسة الاجراءات اللازمة لمواجهة الخطر الصهيوني، وضم الوفد سبعة أعضاء من السنة والشيعة، يمثلون الاتجاهات الإسلامية الرئيسة في الساحة، وهم (عبد الغني شندالة- الرئيس- والشيخ عبد العزيز البدري وداود العطار وعدنان البكاء وصالح السامرائي وصالح سرية ومحمد الآلوسي)، (علي المؤمن، سنوات الجمر، ص69).

يتضح من خلال ما تقدم ذكره أن الأحزاب والحركات الإسلامية كان لها موقف خاص يختلف عن موقف حكوماتها، من القضيّة الفلسطينيَّة  إلا بعض الحكومات التي كان يتفق رأيها مع الجماهير وخاضت حروب على أثرها من أمثال العراق وسوريا ومصر، لكنها فشلت ولا أريد الخوض في الأسباب، أما موقف الأحزاب أو الحركات الإسلامية كان موقفها واحدا في عدائها لإسرائيل والدفاع عن الأراضي الفلسطينيَّة، واعتقد أنّ الدافع هو بالدرجة الأولى هو دافع ديني وهذا الموقف مأخوذ من القرآن الكريم الذي وضح موقف الإسلام من اليهود.

واليوم لا يختلف عن الأمس فالحركات الإسلامية مازالت على موقفها وهي متجهة للحرب في أي وقت وهذه عقيدة لديها على الرغم من قبولها التعددية الدينية لكن هذه الأخيرة مشروطة بعدم إبداء الأذى، و الذي اختلف هو موقف الحكومات العربية فالتي حاربت فيما سبق، تكتفي اليوم بإلقاء كلمة تذكر فيها بعض أنواع التنديد وتطالب المجتمع الدولي بإيقاف ماكنة القتل الإسرائيلية، مجرد كلام أو حبر على ورق ولا نعرف ماذا يختفي وراء هذه المواقف.