هل الطاقة المتجددة كفيلة بانتشال العراق من أزماته؟

علوم وتكنلوجيا 2023/10/29
...

خالد سليمان

تعد الطاقة أحد التحديات شبه المستعصية في العراق، فهي من جانب تكلف أموالا هائلة من ميزانيَّة الدولة نظراً لحجمها وضبط فاتورة الأجور العامة وتعبئة الإيرادات المحليَّة، ومن جانبٍ آخر الأضرار البيئيَّة - الاجتماعيَّة والصحيَّة الناجمة عنها، الأمر الذي يضعها في صدارة الأزمات المتعددة (Polycrisis) التي تواجه العراق.ويعود سببُ ذلك الى الاعتماد الكامل على الوقود الاحفوري لتوفير الطاقة للمجمعات ومؤسسات الدولة وشركات القطاع الخاص.
بما في ذلك شركات النفط والغاز العاملة في البلاد. وقد أشار تقرير أصدرته مجموعة البنك الدولي بتاريخ كانون الأول 2022 حول التنمية والمناخ في العراق الى أنَّ البلد سيواجه "عاصفة كاملة" إذا استمرَّ الاعتماد على الوقود الأحفوري ولم تستجب الدولة للآثار التي تتركها أزمة المناخ وشح المياه على المجتمعات. وأكد التقرير أنَّ هناك تنمية متعددة الأبعاد في العراق وأزمة مناخ تختمر، وأشار إلى أنَّ عوامل مثل إضعاف القدرات البشريَّة والمؤسسيَّة، الانقسامات الاجتماعيَّة العميقة وعدم المساواة جراء نموذج التنمية المستند الى النفط، تشكل نواة "عاصفة كاملة" مرتبطة بالتنمية والمناخ والهشاشة.


التحول نحو الطاقة النظيفة

تتجسدُ عوامل الاختمار المناخي في ارتفاع درجة الحرارة، ندرة المياه، الأحداث المناخيَّة المتطرفة، أزمة الطاقة وكذلك الشروط الاستثماريَّة والماليَّة، الأمر الذي يقتضي استجابة سريعة وبعيدة المدى في آنٍ واحد، خاصة أنَّ الاقتصاديات العالميَّة تشهد تحولاً نحو الطاقة النظيفة والخالية من الكربون، أي أنَّ الوقود الاحفوري يفقد دوره في تغذية الاقتصاد العالمي عاجلاً أو آجلاً. 

وبحسب أهداف التنمية المستدامة يحتاجُ العالمُ الى مضاعفة الاستثمارات في البِنْية التحتيَّة للطاقة المستدامة ثلاث مرات في السنة وخفض الانبعاثات 45 % بحلول عام 2030 عالمياً، بينما يفتقدُ العراق لليوم لقانون الطاقة المتجددة ما يعوق وضع ميزانيَّة لها على المستوى الوطني. ومن شأن ذلك إعاقة مخططه الخاص من ناحية مساهمته الوطنيَّة لزيادة حصته من الطاقة المتجددة بنسبة 10 % بحلول العام 2030.

تالياً، إنَّ الاستمرار في الاعتماد على عائدات النفط، لا يؤخر العراق عن قطار الاقتصاد العالمي فحسب، بل يجعله عرضة لمخاطر اقتصاديَّة كبيرة والمزيد من الانقسامات الاجتماعيَّة الناجمة عن اللاعدالة والفساد، ناهيك عن التدهور البيئي الذي أضعف قدرات البلد في جميع القطاعات. إنَّ ما يقرب من نصف انبعاثات العراق مرتبطة بتوليد الطاقة، وبحسب بيانات تعود الى العام 2019، يبلغ توليد الطاقة الكهربائيَّة بالوقود الاحفوري 98 % (55 % من الغاز الطبيعي و43 % من النفط). وإنْ كشف ذلك عن شيء إنَّما يكشف عن عددٍ من أوجه القصور في سياسات الطاقة المتبعة في البلاد مثل إشعال الغاز، الاستخدام المفرط للوقود السائل، وارتفاع خسائر شبكة الطاقة، وانخفاض استرداد التكلفة.

وما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق هو أنَّ العراق يحرق ملياراً و700 مليون قدمٍ مكعبٍ من الغاز الطبيعي المصاحب في اليوم، بينما يستوردُ ما يصل إلى مليار قدمٍ مكعبٍ في اليوم من إيران لتوليد الكهرباء، ما أوصلت القيمة السنويَّة الضائعة للغاز المشتعل في العراق الى 2.5 مليار دولار في عام 2020 وحده. ولو قمنا بعمليَّة حسابيَّة بسيطة لمجمل هذه الخسارة لفترة أربع سنوات، نلاحظ بأنَّ الأموال المهدورة تبلغ 10 مليارات دولار، وهو مبلغٌ كافٍ لإنشاء مشروعٍ للطاقة المتجددة بقدرة 10 غيغاوات وأكثر. ويأخذ في الحسبان في سياق الأسعار العالميَّة لمشاريع الطاقة الشمسيَّة الكهروضوئيَّة الجديدة، انخفاض المتوسط العالمي للتكلفة على مستوى المرافق بنسبة 13 ٪ على أساسٍ سنوي في العام 2021 ليصل إلى 0.048 دولار أميركي/ كيلوواط ساعة.

ويؤكد تقرير للوكالة الدوليَّة للطاقة المتجددة (إيرينا) حول تكلفة الطاقة المتجددة لعام 2021 عل أنَّ تكلفة العمر الافتراضي لكل كيلوواط ساعة من الطاقة الشمسيَّة خلال عام 2021 ستكون أقل بمعدلٍ يتراوحُ من أربعة إلى ستة أضعاف من التكاليف الهامشيَّة لتوليد الكهرباء باستخدام الوقود الأحفوري في العام 2022.

إنَّ معالجة أوجه القصور في قطاع الطاقة التقليدي عبر التحول الى الطاقة المتجددة لن تؤدي إلى تحقيق تخفيضات كبيرة في الانبعاثات فحسب، بل ستسهمُ أيضاً في تحقيق أهدافٍ إنمائيَّة أخرى، بما في ذلك إيجاد فرص العمل، خفض التكاليف الاقتصاديَّة الهائلة وأسعار المستخدم النهائي المرتبطة باستخدام مولدات الديزل، وتحسين الموثوقيَّة وبيئة الأعمال. يضاف الى كل ذلك تخفيف الآثار على الصحة العامة بسبب وجود مولدات الديزل بالقرب من المراكز السكانيَّة. وتشير بيانات العاصمة بغداد الى وجود أكثر من 14 ألف مولدة أهليَّة لتوليد الطاقة الكهربائيَّة مما يثقل كاهل السكان صحياً وبيئياً.


التحديات

بعدما جدد العراق عام 2021 التزامه بوثيقة اتفاقيَّة باريس للمناخ من أجل مكافحة تغير المناخ، يتعين على البلاد خفض انبعاثات الكربون الوطنيَّة من 1 الى 2 % بحلول عام 2030. ويتطلب ذلك جهوداً حكوميَّة ومجتمعيَّة متعددة في العمل المناخي، بما في ذلك الانتقال الطاقي من الوقود الاحفوري الى المصادر النظيفة نظراً لتأثيرها الكبير في مجمل النشاطات الاقتصاديَّة والزراعيَّة والاجتماعيَّة.

ولكنْ، بحسب البيانات المتوفرة عن الأسباب التي تحول دون الانتقال الى الطاقة الخضراء، فإنَّ التحديات متداخلة مع أزمات العراق المتعددة، تأتي في مقدمتها الحكومة كسوق عمل كبير وبلا منافس. ففي الوقت الذي تريد الشركات والجهات الاستثماريَّة الدوليَّة دوراً للقطاع الخاص في تأسيس شبكات الطاقة النظيفة، لم تتحرر المؤسسات الحكوميَّة بعد من إرث "الدولة الريعيَّة"، إذ تريد لنفسها الدور الأكبر في سوق الطاقة البديلة، الأمر الذي يعوق أي تقدم في الانتقال الى الوقود 

الأخضر.

يرتبطُ التحدي المذكور بشكلٍ مباشرٍ كما تمت الإشارة، بعدم وجود قانون الطاقات المتجددة لليوم، إنَّما هناك ضوءٌ في نهاية النفق حيث تم تحويل مشروع القانون الى مجلس النواب وطرح للقراءة الأولى. ومن شأن المشروع في حال إقراره وجعله قانوناً سارياً، إزالة المعوقات وفتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي والقطاع الخاص. وقد توصلت الحكومة العراقيَّة الى اتفاقات مع أطراف متعددة مثل جنرال إلكتريك، سيمنس، توتال وشركات سعوديَّة وإماراتيَّة بغية تأسيس منظومات الطاقة المتجددة، ناهيك عن المفاوضات المستمرة مع الوكالة الدوليَّة للطاقة المتجددة، نظراً الى أهميتها وكفاءتها في مواجهة التحديات المناخيَّة. 

ويعدُّ عدم ضمان شبكات الطاقة من حيث الصيانة والاستدامة على المدى الطويل، من بين الأسباب التي حالت دون الانتقال المنشود، فضلاً عن الحجم الضخم للاستثمارات ومسألة التسعيرة، لا سيما أنَّ الدعم الحكومي الحالي في توفير الكهرباء في البلاد يبلغ 94 % دون استرداد يذكر. وفي ظل التوسع العمراني الناجم عن ازدياد سكاني يبلغ معدل نموه في العراق 2.27 % في عام 2023، سوف يزداد حجم هذا الدعم الحكومي ويزيد من احتماليَّة "العاصفة الكاملة" من دون الانتقال الى المصادر 

البديلة.

يشار الى أنَّ البنك المركزي العراقي أصدر في العام 2022 ضوابط تمويل الطاقة المتجددة بغية إتاحة الفرص أمام المواطنين والمؤسسات المختلفة لشراء منظومات الكهرباء المتولدة من الطاقة النظيفة، وذلك انسجاماً مع توجهات العراق للالتزام بمقررات مؤتمر باريس للمناخ. 

ولكنْ في ظل الدعم الحكومي لقطاع الكهرباء القائم بنسبة 94 %، وعدم تخصيص الأموال في ميزانيَّة الدولة للانتقال الكامل، يبقى أمر التوجه نحو الطاقة الخضراء مرهوناً بمبادرات فرديَّة ولا تغير من الواقع القائم شيئاً.

قصارى الحديث، تعدُّ أزمة الطاقة جزءاً من الأزمات المتعددة في العراق، ويتطلب التخلص منها حلولاً متعددة لا تقتصر على قطاع الطاقة وحده، بل تقتضي مساهمة جميع القطاعات الحكوميَّة والأعمال والمجتمعات؛ بخاصة أنَّ أيام البلاد المشمسة، على الرغم من العواصف الغباريَّة، تبلغ 300 نهاراً في السنة.