الجندر والمعرفة العلميَّة

منصة 2023/10/30
...

 مسلم غالب

هل المعرفة العلميَّة موضوعيَّة وحيادية؟ أم أنها تتأثر من الأرضية الاجتماعيّة للعلم والعلماء؟ ماهو دور الخطاب المسيطر في المعرفة العلميّة؟ وهل يمكن الحديث عن فئات مهمشة في المجال العلمي؟ هل توجد علاقة بين الجندر والمعرفة العلميَّة؟ هل كان المجال العلمي حكراً على الرجال دون النساء على مر التاريخ البشري؟ هل المؤسسة العلمية تعمل إلى إعادة إنتاج التمييز بين الجنسين بوعي أو دون وعي؟ كيف يؤثر الجندر في البحوث العلميَّة  وتفسيرالنتائج؟
 كل هذه الأسئلة المهمة والحديثة هي نتاج للإتجاه النسوي في سوسيولوجيا العلم و المعرفة العلميَّة.
المقاربة النسوية في العلوم هي عدسة نقدية تستخدم لفحص التحيزات الجندرية وعدم المساواة في البحث العلمي وإنتاج المعرفة.
وتسعى إلى تحدي السرد التقليدي الذي يهيمن عليه الذكور والمنهجيات التي حرمت تاريخيًا من مساهمات وآراء النساء في المجال العلمي.
إحد الجوانب الرئيسية للمقاربة النسوية في العلوم هي الاعتراف بأنّ المعرفة العلمية ليست محايدة أو موضوعية، بل يتم تشكيلها بواسطة المعايير الاجتماعية والديناميات السلطوية والتحيزات.
يؤكد أصحاب هذا الاتجاه المعرفي أن التحيزات الجندرية يمكن أن تؤثر في أسئلة البحث والمنهجيات وتفسير البيانات، مما يؤدي إلى فهم محدود ومتحيز للعالم.
كما يسلط الاتجاه النسوي الضوء على قلة تمثيل النساء في المجالات العلمية، وخاصة في المناصب القيادية والمجالات المرتبطة تقليديًا بالذكور، مثل الفيزياء والهندسة. ترجع تلك القلة في التمثيل غالبًا إلى عوامل مختلفة، بما في ذلك الصور النمطية الجندرية والتمييز والعوائق النظامية التي تعيق تقدم النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
علاوة على ذلك، يؤكد النهج النسوي في العلوم على أهمية الشمولية والتنوع في البحث. يدعو إلى إدراج تجارب وآراء وأصوات النساء في الدراسات العلمية، وكذلك النظر في التداخلية - الطبيعة المترابطة للهويات الاجتماعيَّة مثل الجندر والعرق والطبقة والجنسانيّة - في فهم كيفية تداخل أشكال مختلفة من القمع وتشكيل المعرفة العلمية. يدعو الاتجاه النسوي  إلى إجراء تغييرات في الممارسات والسياسات العلمية لتعزيز المساواة بين الجنسين. ويشمل ذلك تنفيذ منهجيات بحث حساسة بالنسبة للجندر، ومعالجة التحيزات اللاواعية في عمليات المراجعة النظرية، وتعزيز الإرشاد وشبكات الدعم للنساء العالمات وخلق بيئة عمل شاملة وعادلة.
من خلال تحدي النماذج العلمية التقليدية والدعوة إلى المساواة بين الجنسين، يهدف الاتجاه النسوي في العلوم إلى خلق فهم أكثر شمولًا ودقة للعالم. ويعترف بأن وجهات النظر والتجارب المتنوعة ضرورية لتقدم المعرفة العلميَّة ومعالجة التحديات الاجتماعية المعقدة.
ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن الاتجاه النسوي في العلوم واجه انتقادات ومقاومة من بعض الأطراف. يقول المنتقدون إنه قد يضعف الحيادية العلمية ويعطي الأولوية للقضايا المتعلقة بالجندر على حساب الموضوعية العلمية. ومع ذلك، يؤكد مؤيدو النهج النسوي أنه لا يتعلق باستبدال المنهجيات العلميَّة ولكن بفحصها وتحسينها بشكل نقدي لضمان مؤسسة علميّة أكثر انصافًا وشمولية.
وفي الخلاصة، يتحدى النهج النسوي في العلوم  التحيزات الجندرية وعدم المساواة في البحث العلمي وإنتاج المعرفة. ويسعى إلى تعزيز المساواة بين الجنسين والشمولية والتنوع في المجالات العلميّة، وكذلك فحص الأثر الاجتماعي على المعرفة العلميَّة. وبذلك، يهدف إلى خلق فهم أكثر دقة وشموليّة للعالم مع معالجة قلة التمثيل والتهميش للنساء في العلوم.