الديوانية في مواجهة المخدرات

ريبورتاج 2023/10/31
...

 عباس رضا الموسوي 

 تصوير: خضير العتابي

شهدت محافظة الديوانية خلال السنوات الأخيرة اتساعا في رقعة انتشار المخدرات إلى حد أقلق الجهات المعنيّة، ووضعها أمام مسؤوليات صعبة، خصوصا بعد تسببها بارتفاع مستوى الجريمة مثل القتل والانتحار والتفكك الأسري والنصب والسرقة، فضلا عن مخاطرها الصحيَّة، التي أصابت الشباب كونهم الشريحة المستهدفة، الأمر الذي فرض على الجهات المختصة الانطلاق بحملات إرشادية وأمنية للحد من هذه الظاهرة، التي أخذت تنتشر في المجتمع انتشار النار في الهشيم، لتكون العبء الكبير على العديد من الأسر، التي باتت غير قادرة على مشاهدة أبنائها، وهم في حالة انهيار صحيّ ونفسيّ مستمر.

تجربة مريرة جدا

كثيرون هم الذين حالفهم الحظ، وعادوا أدراجهم بعد أن انخرطوا لفترة في تعاطي المخدرات، لذلك تجدهم وهم يستذكرون تلك التجربة يتحدثون بمرارة، ويقول الشاب (ع. د): بداية الأمر كنت أعمل رغم صغر سني في السوق، لذلك لم أكن على مستوى من المعرفة والإدراك، إلا بعد فترة طويلة من تعاطي المخدرات، التي شجعني عليها أحد المترددين على سوق هرج، لأجد نفسي في ما بعد مروجًا لها لأنّه امتنع عن تزويدي بالمخدرات مجانا، مثلما كان يعمل بداية الأمر. مضيفا: ومع مرور الوقت فكرت أن استقل بعملي خصوصا، أني أصبحت أمتلك الزبائن ولديّ القدرة على التواصل معهم، وبهذا أحقق أرباحًا كبيرة لا يشاركني بها أحد قبل أن أتعرض إلى انتكاسة صّحيَّة، بسبب جرعة زائدة نقلت على أثرها إلى المستشفى، وبقيت آثارها على صّحتي لفترة طويلة، ويستذكر قائلا: ذات ليلة فكرت مليا بهذا الأمر، ووجدت نفسيّ ضحيّة تحولت في ما بعد إلى جلاد، فخجلت من نفسي وقررت الابتعاد عن المخدرات، فكانت أصعب مرحلة في حياتي.


إنشاء مصحة للمخدرات

ولكون المخدرات قد أخذ مفعولها يسري في المجتمع، وراح عدد ضحاياها يتزايد بسبب الإدمان، فقد شرّعت الحكومة المحليَّة في محافظة الديوانية باتخاذ تدابير أمنيَّة وصّحيَّة للتخفيف من وطأتها، ويقول مدير إعلام محافظة الديوانية علاء البصري: إنّ الحكومة المحليّة اتخذت العديد من الإجراءات للحد من انتشار المخدرات، منها حث الأجهزة الأمنية على تكثيف جهودها في محاربة المخدرات، وعقد المؤتمرات والندوات وورش العمل الارشاديَّة، ومطاردة تجار المخدرات ومصادرة ما بحوزتهم، وإنشاء مصحّة خاصة بمتعاطي المخدرات، مشيرا إلى تعاون وثيق من قبل المواطنين مع الأجهزة المختصّة في هذا المجال، ما أوقع العشرات من عصابات المتاجرة بالمخدرات داخل مركز المحافظة وفي أقضيتها، داعيا المواطنين الذين يشتبهون بوجود وكرٍ في مناطقهم الإبلاغ بالسرعة الممكنة، لاتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة حفاظًا على سلامة المواطنين. 


العقوبة القانونيَّة للمتعاطي

ورغم ثقل العقوبة القانونيَّة، التي تنفذ على المتعاطين للمخدرات، فإنّ وقوعهم في الإدمان يفرض عليهم المضي قدما، ويقول الباحث القانوني المحامي مصطفى كاظم الزيدي: التعاطي هو تناول الإنسان لأي مادة من المواد المسببة للإدمان لغرض غير طبيّ أو علاجي ويعبر ذلك أيضًا بإساءة الاستخدام، وينشأ التعاطي من التعود على المادة المخدرة، فاذا كرر الشخص تناول المادة المخدرة ينشأ عنده، بالإضافة إلى عامل التكرار عوامل تحمله بدورها على استمرار تناولها، كلما انتهى مفعول المادة المخدرة، ووفقا للمادة 32 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية، يعاقب المتعاطي بالحبس لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسة ملايين دينار، ولا تزيد على عشرة ملايين دينار، كما نصت المادة 28/ خامسا من قانون المخدرات بعقاب كل من أغوى حدثا أو شجع زوجة أو أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة على تعاطي المخدرات أو المؤثرات العقليَّة، وأن قصد المشرّع من ذلك المحافظة على الشباب اليافعين من ظاهرة تعاطي المخدرات، بوصفهم عماد المجتمع وأساسه، حتى وصولهم مرحلة البلوغ وهم لا يقعون تحت تأثير المخدرات.


دور الأسرة والمجتمع

ومن المؤكد أن للأسرة دورها في توجيه الأبناء وحثهم على الابتعاد عن مخاطر المخدرات، من خلال التوجيه والإرشاد والمتابعة، وتقول المحامية مريم كريم هاشم الخالدي: إنّ المخدرات عدو الإنسان وإنّ من أسباب تعاطي المخدرات غياب دور الوالدين في التوجيه والنصح والإرشاد وأصدقاء السوء والتفكك الأسري والفقر والبطالة، وإن تعاطي المخدرات يؤدي إلى حدوث اضطراب في الإدراك الحسّي واختلال التفكير العام والتصرفات الغريبة، إضافة إلى الهذيان والهلوسة والآثار النفسيَّة مثل القلق والتوتر المستمر، ويحدث التعاطي اضطرابا في الوجدان، ووفقا للقانون العراقي فإنه يجوز للمحكمة بدلا من عقوبة الحبس والغرامة، أن تقرر إيداع من يثبت إدمانه على المخدرات في إحدى المؤسسات الصحيَّة، التي تنشأ لهذا الغرض، وأن تلزم من يثبت تعاطيه المواد المخدرة، بمراجعة عيادة طبيَّة نفسيَّة اجتماعيّة، تنشأ لهذا لغرض مرة أو مرتين لمساعدته على التخلص عن عادة التعاطي.

هناك حالات أخرى تناولها المشرّع العراقي في قانون المخدرات والمؤثرات العقليَّة، منها ما نصت عليه المادة 33 من قانون المخدرات والمؤثرات العقليَّة، حيث يعاقب الشخص الذي يقوم بإعداد مكان للتعاطي او أعدَّ او هيَّأ لتعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية، وكان يجري التعاطي للمخدرات فيها مع علمه بذلك.


تحوّل

وتنهش هذه الآفة جسد البلد من جميع جوانبه لتؤكد للجميع بأنّ خطورتها واجبة التحرك نحو إنهاء هذا الملف، إذ أكدت مصادر أمنية أنَّ تجار المخدرات وصلوا إلى إمكانية غير مسبوقة في تجارة وصناعة المخدرات، وذلك ما يجعل الحكومة والعناصر الأمنية والمختصّة أمام تحد كبير، فضلا عن القضاء الذي يجب أن يقوم بفرض عقوباتٍ مشددة على المتاجرين فيها لتقليص شدة هذه الأزمة على المجتمع العراقيّ، فبحسب مختصين أن العراق بشكل كامل كان يمثل فقط معبرا للمخدرات والمؤثرات العقليَّة، أما الآن فهو مستهلك رئيس لها، وكل ذلك حدث في عقدين من الزمن فقط، إذ لا توجد إلى الآن إحصائية حقيقية رسمية لإعداد المتعاطين في العاصمة والمحافظات الأخرى وخاصة الجنوبية منها، بالرغم من تحديد الفئات التي تحدد بالتجارة والتعاطي بها وهم فئة الشباب من كلا الجنسين، خصوصا في المدن والمناطق الفقيرة في البلد.


حملات توعيَّة موسعة

لقد شرعت العديد من الجهات المعنيَّة بعقد مؤتمرات وندوات تعرف بمخاطر المخدرات في إطار الجهود الرامية إلى الحد من انتشارها، ويقول الناشط في مكافحة المخدرات صلاح الغزالي: حاليا مستوى المخدرات بتراجع عال بعد الحملات، التي نفذتها مديريَّة مكافحة المخدرات والمؤثرات العقليّة والحملات التثقيفية، التي قامت بها مؤسسة العمل الإنسانيّ للتعايش السلمي ضمن الحملة الوطنية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، مبينا أنّ مكافحة المخدرات والمؤثرات العقليَّة، يجب أن تنطلق من الأسرة والمجتمع، ولذلك عملنا جاهدين مع قسم تمكين المرأة في ديوان المحافظة لتعزيز دور الأسرة في مكافحة المخدرات، حيث أدت ظاهرة المخدرات والمؤثرات العقليَّة إلى جرائم كثيرة، بسبب تعاطي المخدرات وزيادة في معدلات العنف الأسري والانتحار.