أطفالُ الشلل الدماغي.. معاناة كبيرة وإهمالٌ حكوميٌّ أكبر

ريبورتاج 2023/11/01
...

 بدور العامري

غيابها عن الوعي لمدة دقيقة بعد ولادتها كان كفيلا أن يجعلها تعيش باقي حياتها بالشلل والإعاقة، بهذه الكلمات تحدث المواطن أحمد عبد الكريم والد الطفلة زهراء التي تسبب انقطاع الأوكسجين عنها أثناء الولادة باختناقها، الأمر الذي اضطرَّ الممرضة لنقلها الى غرفة (الخدج) وقد ازرق نصف جسدها، كبرت زهراء لكنها لم تستطع المشي ولا الكلام، لتصبح هذه الطفلة ذات الملامح البريئة حبيسة الكرسي المتحرك، على أمل أن يأتي يومٌ وتجد زهراء وأقرانها من يمد لهم يد العون والتخفيف عما هم فيه.

قوانين وحقوق

والد زهراء يقول: "المعاناة ما زالت مستمرة، بل أصبحت تتسع بمرور الأيام، بسبب إهمال الجهات الحكوميَّة لهذه الفئة وعدم توفر مراكز الرعاية الصحيَّة والتأهيل الخاصة بذوي الشلل الدماغي".

القانونيَّة والناشطة في مجال العمل الإنساني بتول عيسى الربيعي تقول: "هناك قصورٌ كبيرٌ من قبل الجهات المعنيَّة في تنفيذ المواد القانونيَّة التي تخصُّ ذوي الاحتياجات الخاصة ومنهم مرضى الشلل الدماغي"، إذ كفل الدستور العراقي لعام 2005 حقوقهم في المادة (32) التي تنصُّ على "ترعى الدولة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتكفل تأهيلهم بغية دمجهم في المجتمع وينظم ذلك بقانون.

وتابعت الربيعي "على هذا الأساس صدر قانون رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة رقم (38) لسنة 2013 ليشمل هذه الفئة بالرعاية ويعيد تأهيلهم، فضلاً عن نشر التوعية بالعوق والوقاية منه، بهدف المساهمة في توفير أسباب الحياة الكريمة للمشمولين بأحكام هذا القانون"، واستدركت الربيعي في حديثها قائلة: "إلا أنَّ الواقع الذي نعيشه اليوم بعيدٌ تماماً عن جوهر القوانين والتشريعات التي وجدت من أجله، فعلى سبيل المثال مقدار الراتب المخصص للمعاق اليوم هو 125 ألف دينار عراقي شهرياً وكلنا يعرف أنَّ هذا المبلغ لا يكفي لسد جزءٍ بسيطٍ من احتياجات المعاق، إذ من المعروف أنَّ مصابي الشلل الدماغي يحتاجون الى أنواعٍ من العلاج باهظة الثمن كذلك هم بحاجة الى مراجعات أسبوعيَّة للأطباء والعلاج الطبيعي وغيرها من الالتزامات التي غالباً ما تكون فوق قدرتهم الماديَّة".


العمل الجماعي

وبحسب طبيب الأعصاب أحمد عون، فإنَّ "الشلل الدماغي هو حالة سريريَّة غير معدية لمجموعة من الأعراض التي تنتجُ عن خللٍ أو ضررٍ في الدماغ في طور النمو مسبباً درجاتٍ مختلفة من الاضطرابات في قدرات الطفل الحركيَّة وفي أدائه، علاوة على الاضطرابات الحسيَّة مثل الصمم وإعاقة النطق والعمى والتأثير في مستوى الذكاء، وبالتالي التأثير في عمل جميع أعضاء الجسم".

وبين عون أنَّ "الشلل الدماغي قد يحدث خلال فترة الحمل أو أثناء الولادة أو في الفترة ما بعد الولادة حتى سن الخمس سنوات لأسبابٍ منها الإصابة بأمراض التهابات الدماغ السحائيَّة أو اليرقان الشديد وغيرها.. ومنها ما ينشأ خلال فترة الحمل".

ونبه طبيب الأعصاب الى "أهميَّة العمل الجماعي في تحقيق نتائج جيدة لعلاج طفل الشلل الدماغي من شأنها تطور بعض القدرات الحركيَّة والحسيَّة والعمل على إيقاف التدهور الصحي المحتمل التعرض له في المستقبل، إذ يعمل الفريق المعالج كخليَّة يكمل بعضها بعضاً، متمثلة بطبيب أعصاب الأطفال وطبيب الأطفال وأخصائي العلاج الطبيعي وإعادة التأهيل والمعالجين المهنيين وأخصائي التغذية والمختص النفسي المكلف بمراقبة الوضع النفسي للطفل عن كثب".

وأضاف عون "وفي حال تطلب الأمر إجراء عمليَّة لا بُدَّ من إشراك أخصائي العظام وجراحي الأعصاب، كل هذا الفريق لا يكتمل الى بدور الأسرة الفاعل، إذ كلما كانت الأسرة أكثر وعياً وصبراً واجتهاداً، كلما كان الفريق الطبي مفيداً للطفل".


رعاية

زيادة المخصصات الماليَّة للمعيل المكلف برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة وتخصيص راتبٍ شهري يتناسبُ مع نسبة العجز والحاجة الفعليَّة للمعاق، وإنشاء مراكز صحيَّة وتأهيليَّة خاصة بفئة الشلل الدماغي وتوفير العلاج اللازم لهم سواء كان داخل البلد أو خارجه من الخطوات الأساسيَّة التي يجب أنْ تتخذها الجهات الحكوميَّة بحسب رأي الناشط في مجال العمل الإنساني ورئيس مؤسسة أطفال الشلل الدماغي فرع البصرة كاظم شبيب المحمداوي، وهو أبٌ لأحد المصابين بالمرض، إذ يقول: "تعمل المؤسسة على تقديم الدعم المعنوي وتسهيل معاملات الأطفال وذويهم مع مختلف الجهات والمؤسسات ذات العلاقة"، مشيراً الى أنَّ "مشروعهم إنسانيٌ بحت وغير ربحي، بعدّه نابعاً عن معاناة شخصيَّة ووجع قلوب أولياء الأمور مع هذا المرض المتعب".

وتابع المحمداوي "ظهرت فكرة إنشاء المؤسسة في العام 2019 بالتعاون مع عددٍ من الزملاء ذوي أطفال الشلل الدماغي، لذلك هم أكثر الأشخاص الذين يشعرون بمعاناة المعاق وذويه".

المحمداوي تحدث عن أهم الخدمات التي تقدمها المؤسسة لهذه الفئة، إذ عملت على توفير قاعدة بيانات تمثلُ أعداد المصابين بالمرض في محافظة البصرة، عن طريق إيجاد استمارة خاصة بهذا الشأن وتوفيرها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي لسهولة الحصول عليها وملئها من قبل ذوي المعاق وتوفير العناء عليهم في التواجد ومراجعة دوائر الدولة كافة عن طريق التنسيق المستمر مع تلك الدوائر لتسهيل معاملاتهم بجميع أنواعها.

وأوضح المحمداوي أنَّ "البصرة يوجد فيها أكثر من 10 آلاف مصابٍ بالشلل الدماغي، لكنَّ المسجلين لدينا لا يزيد على 625 شخصاً، لكون الأعداد الباقية يسكنون في أطراف ونواحي المدينة وأكثرهم لا يملكون خدمة الانترنت ولهذا لم يستمروا بالتواصل معنا بعد أنْ يئسوا من وعود الجهات الحكوميَّة بتقديم الدعم والعلاج لهم"، وتابع المحمداوي "هناك تعاونٌ وتنسيقٌ مع بعض المؤسسات الخيريَّة والصحيَّة لتوفير بعض أنواع العلاج للمصابين، إضافة الى تقليل أسعار المراجعات لبعض العيادات ومراكز العلاج الطبيعي والتأهيلي"، مبيناً "تفاعل وتعاون المجتمع البصري لما تقوم به المؤسسة وبعض المسؤولين، إذ حظيت بزيارة عددٍ من المسؤولين في المحافظة والشخصيات العامَّة بمناسبات ونشاطاتها أقامتها المؤسسة".