بغداد: مآب عامر
في ثمانينيات القرن الماضي بدأ يطرأ تغييرٌ طفيف على الأعمال الدراميَّة العالميَّة، وهذا كان مع بداية الاهتمام بنقل الجريمة وتناولها دراميا بطريقة، تحاكي الواقع وربما أكثر منه دموية، حتى بات يركز صناع الدراما اليوم على تقديم أكثر الأعمال دموية ومواصلتهم في البحث عن جرائم واقعيَّة لإعادة طرحها، بلا شك، كنموذج لموجة جديدة من أفلام الرعب.
ولكن هذا الأمر يختلف عربياً.. فالرعب والدمويَّة في الدراما العربيَّة كانا أمراً شبه معدوم، وإن وجد فهو سطحي، وغالباً ما يكون من ضمن الأعمال التجارية، بحسب تقى عبد الله، 29عاماً، التي تصف نفسها بأنها مهووسة بمشاهد أفلام الرعب.
وتقول تقى: إن مسلسل «ساحرة الجنوب» الذي كان من بطولة حورية فرغلي، وتدور أحداثه حول فتاة يتلبسها شيطان، ويسيطر على غالبية أفعالها وخلق ضجة كبير، كان وجوده يقتصر على ظواهر ما فوق الطبيعة، منها السحر والخوف من المجهول وأمور كهذه.
وتضيف: المسلسل الذي أمتاز حينها بغرابة تغير عيون البطلة «السواد والبياض»، وكذلك بمشاهد المقابر وفنون شيطانها وحركاته غاية في الانتقام لها لم يكن شيئاً جديداً، لأن حبكة السحر والشياطين موجودة سابقا في الدراما العربيَّة، وكثيرا ما يتقنون بطرحها مثل مسلسل «المداح»، الذي كان له متابعوه وعشاقه، نتيجة نجاحه رغم الكثير من الهفوات والاخطاء طبعا.
لقد كانت الدموية والنفسية، خاصة تلك التي تصور القاتل «السيكوباتي» أقل حظا في الدراما العربيَّة، ولكنها اليوم بدأت تلاقي نصيبها أو القليل منها على الرغم من مواجهتها لبعض الصعوبات من ناحية النضج الدرامي حتى تكون مقنعة بشكل متكامل.
ولكن ما يدفع روان علاء، 31 عاماً، للاستغراب مع الشعور بنوع من الرضا والقبول على مسار الرعب في الدراما العربيَّة كان تجاه مسلسل «كل أسبوع يوم جمعة» من بطولة منة شلبي وأسر ياسين، والتي تدور أحداثه حول شابة تتزوج من رجل مريض عقلي، ولديه ميولٌ تجاه العنف والجنس، إلا أن البنت تجد طريقة للتحكم به والسيطرة على انفعالاته عبر القتل.
وتقول روان: كان من المسلسلات الدمويَّة الجريئة وله غرابة بالحبكة، لتناوله الأمراض النفسية التي تجسدت في بطل القصة، ففي البداية قد يتوهم المشاهد بسلامة البنت أو الزوجة، ولكنها لم تكن سليمة ذهنيا، ولهذا السبب نصبت نفسها معقبا، وبدأت باصطياد الضحايا بذريعة مساندة الزوج واسكاته.
روان تجد متعة ولذة بمشاهدة الرعب وسلوكيات المرضى النفسيين «السيكوباتيين»، وبلا جدل تشير إلى جودة قصة «جزار الجيزة» والتي تسرد قصة واقعية عن قاتل نساء متسلسل.
وترى أن الحكاية منتقاة بعناية، إلاّ أنها كانت تتمنى أن يكون دور البطولة لممثل أكثر جنونا وقوة، صحيح أن أحمد فهمي محبوبٌ، ولكن هذا في إطار كوميدي، القصة ناجحة من ناحية الرعب «السيكوباتي»، بحسب روان لكنها تتأمل قصصاً أكثر عمقاً وصلة بالواقع.
وبحسب الدراسات فإن النساء يحببن مشاهدة أفلام الرعب والدماء أكثر من الرجال، وهذا بسبب بحثهن على تحقيق العدالة والحق، لأن المرأة ترى نفسها في الجانب الأضعف والمضطهد.
أما من جانب على قاسم، 45عاماً، فهو يرى أن من الواجب الابتعاد عن الدموية، خاصة عن البنات والاولاد الذين هم في مقتبل العمر.. ويعتقد أن مشاهدة هذه الامور ستسهل لديهم استساغة الدماء وتشجع على ممارسة أعمال العنف.
ويقول: حتى زوجتي في بداية حياتنا الزوجية كانت من عشاق مشاهدة وهذا طبيعي، لأن غالبية البنات يميلن إلى الرعب والرومانسية في الدراما أو الأفلام، على عكسنا الشباب الذين يبحثون دوما عن دراما وافلام ومسلسلات الحروب وألاشكن.
ويشير علي إلى أنه واجه صعوبة بتوجيه بناته من ناحية انتقائهن للأفلام والمسلسلات، وتمكن من ابعادهن عن الغربي المرعب، ولكن الرعب وصل إلى الشاشة العربيَّة أيضا، ويقول: استغرب من تلك الرغبة الملحة عند الفتيات، فهن يشاهدن الرعب ليقضين ليلهن بالكوابيس والخوف.
إن هرمون الخوف والمعروف بهرمون الأدرينالين هنا هو متعة شيماء أحمد، 33عاماً، التي تحرص بين الحين والآخر على متابعة مسلسل رعب، كما تقول: أشاهد هذا النوع من الدراما لمرة واحدة في الاسبوع حتى لا استنزف مشاعر الخوف الخاصة بي، لأن مشاهدة شيء مرعب أعدّه من الأمور التي تجدد مشاعري، خاصة أن إفراز هرمون الادرينالين بغزارة مع خفقان القلب بقوة يمدني بالتجدد، وأحيانا يدفعني للشعور بأني على قيد الحياة، لذا فمع نهاية الرعب أحصل على بعض الرضا والسلام، وخاصة «عند موت الشرير أو سجنه»، وفقا لتعبيرها.
تهتم شيماء بمشاعر الخوف التي تصلها، على الرغم من عدم اهتمامها بواقعية القصة وحبكتها، لأنها ترى ما يكتب عموماً حتى لو كان حقيقياً، فهو لا يمت بصلة بالواقع، فهناك دوما مؤلف يتلاعب بسير الاحداث وممثل يجسد دوره بحسب شخصيته، لهذا تصر شيماء على رأيها في « في الدراما.. ليس هناك أمرٌ واقعي وحقيقي وأن كل ما نراه ونسمعه هو من وحي الخيال».
وبعيداً عن الرعب «السيكوباتي» لجرائم تزداد يومياً في علمنا الواقعي، يمكننا أيضاً أن نلمس «ثقافة المهووسين» المهيمنة حالياً على كتاب دراما ومنتجين ومخرجين من شباب لديهم أفكارٌ إبداعية نادراً ما تحظى بها أفلام الميزانيات الكبيرة بفرصة استكشافها.