قانون المدن الصناعيَّة يُحيي آمال النهوض بواقع الاقتصاد العراقي

العراق 2019/05/11
...

بغداد / أحمد محمد
 

ما أن نجح مجلس النواب في التصويت على قانون “المدن الصناعية” حتى بدأ الحديث يغزو الأوساط الشعبية والسياسية والنخبوية معاً بشأن هذا القانون وما سيوفره من أهداف تخدم العراق واقتصاده وإمكانية أن يوفر فرص عمل للعاطلين، بالاضافة الى تمكين رؤوس الاموال للدخول في مشاريع صناعية داخل تلك المدن التي من المؤمل انشاؤها بحسب الاتفاقيات الاخيرة التي أبرمها العراق مع دول الجوار إيران والاردن والسعودية.


وتقول عضو لجنة الاستثمار والاقتصاد النيابية الدكتورة ندى شاكر جودت في تصريح خاص لـ”الصباح”، انه “منذ أن تم التخطيط لهذا المشروع الذي سبق التفكير به منذ سنوات، كان المقترح بأن يكون إنشاء المدن الصناعية في المناطق التي توجد فيها بعض المشاكل وأمامها مناطق صحراوية والتي تكون قابلة للاختراق أو التسلل منها الى العراق، لذا كان الغرض من إنشاء هذه المدن هو خلق خط دفاع أول يحمي الحدود التي تربط بيننا وبين تلك المناطق، إضافة الى تشغيل الايدي العاملة وتوفير كل ما تحتاجه، وخلق مدن مصغرة في تلك الحدود تكون كما ذكرت آنفاً بمثابة خط دفاع، إضافة الى خلق منطقة صناعية يمكن أن تنهض بالواقع الصناعي وتوفر مواد ومنتجات تسد حاجة السوق المحلية ومنع هدر الأموال الصعبة التي يتم بها استيراد مواد وسلع من خارج العراق”.
وتؤكد جودت، أنه “منذ عام 2003 والقطاع الصناعي في حال يرثى لها وفي حالة تراجع، ولم تشهد الصناعة انتعاشاً منذ ذلك الوقت بما فيها المصانع التي تتميز بمنتجات ذات جودة عالية وتشغل أيدي عاملة بدأت تفقد بريقها نتيجة عدم الاستثمار وانحدارها من سيئ الى أسوأ”.
وأشارت إلى أن “المبحث الاساسي في إنشاء المدن الصناعية بأن تكون باستثمارات خارجية  لغرض انعاش الواقع الصناعي في العراق، ولإنجاح مثل هكذا مشاريع يجب أن تكون هناك إرادة وإدارة صحيحتان تتبنيان هذه المشاريع شريطة أن يفرض المفاوض العراقي على الشركات المستثمرة بأن تكون الأيدي العاملة في تلك المدن الصناعية عراقية، فلا قيمة لهذا المشروع إذا كانت الأيدي العاملة أجنبية، فالعراق يعاني من نسبة بطالة عالية جداً أدت الى (إحباط) الكثير من الشباب بسبب عدم قدرتهم على إيجاد فرص عمل، لذا سيوفر هذا المشروع فرص عمل تقضي على البطالة”.
وتؤكد جودت، أن “مشاركة الرأي العام هي أساس إنجاح مثل هكذا مشاريع؛ لذا كان يجب عرض قانون المدن الصناعية على الرأي العام لتردنا مقترحات ونقاط غفل عنها المشرع أو المخطط لها وسيكون تطبيقها مفيداً إذا ما اُخذت بنظر الاعتبار من قبل الجهات المعنية، لذا اتمنى على المدى القريب أن ينفذ هذا المشروع على أرض الواقع وأن تتضح معالمه للنهوض بالواقع الصناعي والاقتصادي في العراق”.
 
انفتاح واستثمار دولي
من جانبه، أفاد عضو اللجنة القانونية حسين العقابي في تصريح خاص لـ”الصباح”، “لقد اُقر قانون المدن الصناعية من قبل مجلس النواب مؤخراً ويحتاج الى وقت وترتيبات معينة لتطبيقه كونه يعتمد بالدرجة الاولى على الانفتاح والاستثمار الدولي”.
ويؤكد العقابي، أن “أغلب التشريعات القانونية التي يتم تشريعها تستهدف المصلحة العامة والمواطن على نية الاستثمار وخفض البطالة وإيجاد حلول ناجعة لها من خلال توفير فرص عمل للأيدي العاملة في العراق، اضافة الى إيجاد ايرادات جديدة للخزينة العامة للدولة”، لافتاً الى أن “هذا هو المطلوب من تشريع القانون، ولكن يبقى تطبيقه يتعلق بالاجراءات الحكومية وسياسة الدولة لتنفذه على أرض الواقع وجذب رؤوس الاموال والاستثمار والتنمية”.
منوها: “لقد كنا نأمل خلال الاسبوع الماضي أن تصلنا آراء حول هذا الموضوع لأخذها بنظر الاعتبار، فالمدن الصناعية بادرة جديدة نأمل بها خيراً للنهوض بالصناعة العراقية وايجاد إيرادات اخرى لإنعاش الاقتصاد في العراق”.
 
تراجع صناعي
الناطق الرسمي  لوزارة الصناعة والمعادن عبد الواحد الشمري، أكد في تصريح خاص لـ”الصباح”، ان “عامل الصناعة في معظم دول العالم يعد متطوراً بسبب التنظيم والتخطيط الحقيقيين للقطاع الصناعي، وهذا ما يفتقر اليه العراق خاصة بعد عام 2003، حيث تراجع القطاع الصناعي تراجعاً ملحوظاً وخطيراً جداً لأسباب معروفة للمواطنين والمختصين، فقد تعرضت شركات وزارة الصناعة الى عمليات تخريب وسلب ونهب، فضلاً عن عسكرة الصناعة أو بما يسمى (التصنيع العسكري سابقاً) المتمثل بالصناعات العسكرية، وهذه الاسباب أسهمت بشكل أو بآخر بتراجع القطاع الصناعي إضافة الى فتح باب الاستيراد على مصراعيه وغياب القانون والرسوم الكمركية التي أغرقت الاسواق المحلية بالمنتج المستورد، وهذا سبب آخر لتراجع هذا القطاع”.
ويؤكد الشمري، أنه “من خلال الاطلاع على تجارب الدول المجاورة كإيران وتركيا والسعودية التي خططت تخطيطاً منتظماً بما يتعلق بالمدن الصناعية، فلقد لاحظنا تطور صناعتهم بشكل كبير وواضح، ولكن ومع شديد الاسف فإن العراق وبسبب قلة الموازنة الاستثمارية المخصصة لوزارة الصناعة والمعادن خاصة عام 2015 وانخفاض أسعار النفط، أدى الى توقف المدن الصناعية في العراق خاصة في محافظة ذي قار التي وصل تنفيذها الى ما يقارب 90 بالمئة، والمدينة الصناعية في البصرة وصل تنفيذها الى 75 بالمئة وكما ذكرنا آنفاً أنه بسبب قلة التخصيصات توقفنا عن استكمالها”.ويوضح، ان “المشاريع الصناعية الحقيقية التي تقام في المدن ستؤدي بالنتيجة النهائية الى تشغيل الايدي العاملة في المحافظات، بالاضافة الى وجود خطوط ومصانع إنتاجية حديثة مطابقة للمواصفات العالمية لجذب رؤوس استثمار سواء كانت وطنية أو أجنبية الى تلك المدن، خاصة ان البنى التحتية في قسم من تلك المدن الصناعية مكتملة بالفعل كما ذكرنا آنفاً”، وأكد الشمري، أنه “كان هناك مخطط من قبل الوزارة على إنشاء مدن صناعية في كل محافظة عراقية وهو طموح باقٍ إن شاء الله، وسنحاول أن نفتح مجال الاستثمار في المدن الصناعية لتطوير القطاع الصناعي من خلال استكمال تلك المدن وإنشاء أخرى”.
 
الاقتصاد العراقي
بدوره، يقول المحلل السياسي كاظم الحاج في تصريح خاص لـ”الصباح”: إن “المادة الثانية من  قانون المدن الصناعية حددت الأهداف والغايات من هذا القانون، ولربما فإن مسألة انشاء وتطوير وتشغيل وإدارة المدن الصناعية سواء كانت في المحافظات أو المناطق الحرة التي يتم الاتفاق عليها مع الدول الأخرى؛ يهدف الى أن يكون هناك تنظيم في عملية إدارتها، وأن تكون هناك استدامة مستمرة في مسألة النمو والتنمية في المجال الاقتصادي العراقي وخصوصا بما يتعلق بالدولة العراقية بمعنى بأن يتجه الاستثمار لصالح النهوض بالاقتصاد وانعاشه”.
ويضيف الحاج، أنه “بعد تشريعه؛ يحتاج هذا القانون الى خطة ستراتيجية على مستوى التخطيط والتفكير ومن ثم على مستوى التنفيذ لإنجاحه على أرض الواقع وتطبيقه ضمن ادوات مساندة تسهم بشكل كبير بالنهوض بمثل هكذا مشاريع، خاصة وأن هذا المشروع جوهري في مسألة تنمية ودعم الاقتصاد العراقي”.
ويرى الحاج، أن “هذا القانون سيكون نقلة نوعية على المستوى الاستهلاكي وحتى على مستوى التصدير خصوصاً في الأمور المتعلقة بالمواد الاولية التي يملكها العراق والتي يمكن استغلالها في الصناعة، وبالتالي سيكون هذا القانون منظماً لما يحتاجه العراق من مواد وما يصدره منها”.
 
القضاء على البطالة
أما الايجابيات التي سيحققها هذا المشروع على المستوى الاقتصادي، يوضح الباحث الاقتصادي صالح الهماشي في تصريح خاص لـ”الصباح”، ان “المدن الصناعية تعد من أهم المنشآت والقطاعات التي يمكن أن توفر الكثير من الخدمات الاجتماعية والصناعية والاقتصادية للبلد والقضاء على البطالة وتوفير المنتجات والتطور التكنولوجي لها”، لافتاً، إلى أن “المدن الصناعية تتضمن مجموعة من المصانع والمعامل والشركات العاملة التي تحتاج الى معدات متطورة والتي نجدها تتسابق في إقامة المعارض والتعاون مع الجامعات لغرض تطويرها خاصة الدول التي تمتلك فعليا مدنا صناعية”.ويضيف الهماشي، “يعتمد العراق منذ نشأته على الأحياء الصناعية مثل (شارع الشيخ عمر وشارع الصناعة وحي منطقة الوزيرية ومنطقة جميلة) التي كانت ضعيفة جداً كأحياء صناعية لذا لا توجد لدينا مدن صناعية أو تجارية، وقد كان من المؤمل في 2001 و2002 بناء مدن صناعية كبيرة غربي بغداد خلف منطقة الغزالية بمساحة ستة آلاف دونم لبناء مدينة صناعية خصصت لوزارة الصناعة والمعادن ولكن بعد العام 2003 جرى التراجع عن هذا المشروع الذي كنا نأمل إنشاءه حيث تم توزيع الأرض كقطع سكنية”.وقال الهماشي: إنه “للنهوض بالقطاع الصناعي فنحن بحاجة الى بناء 18 مدينة صناعية على عدد محافظات العراق لامتصاص البطالة، وأما في ما يخص الاتفاقات التي عقدت مع المملكة العربية السعودية والمملكة الاردنية ومع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فيجب على العراق ألا يقع بفخ المدن الصناعية الخارجية بأن تكون أغلب اليد العاملة تابعة لتلك الدولة، ويجب فرض شرط بأن تكون الايدي العاملة عراقية للقضاء على البطالة المستشرية في البلاد”.وختم الباحث الاقتصادي صالح الهماشي حديثه لـ”الصباح” بالقول: “نأمل بأن تسحب هذه المدن الصناعية الى عمق العراق وتشريع قانون ينص على ذلك، حيث سيؤدي ذلك الى تمركز رؤوس الاموال واستقطاب المستثمرين في مجال الصناعة وتشغيل الأيدي العاملة واستثمار المواد الاولية خاصة وان أغلب الصناعات تعتمد على 70 بالمئة من المنتجات الخام، وبالتالي سننهض بالقطاع الزراعي اضافة الى القطاع الصناعي وانعاش الاقتصاد العراقي على مختلف القطاعات”.