قال الراوي

ثقافة شعبية 2023/11/02
...

كاظم غيلان 



يحكى أن شاعر الأبوذيَّة الشهير (أبو معيشي) كان رجلا أميا لايجيد الكتابة والقراءة، وطالما يستعين بجليسه الذي يجيدهما فيوعز له:

(اكتب.. يكول أبو معيشي)  ويبدأ الجليس بكتابة ما يمليه الشاعر من أبيات.  

هذا الشاعر، المحسود على موهبته وتلقائيته وبساطته، بل وحتى على أميته وجهله القراءة والكتابة كان يتوفر على قدر من المصداقية والوضوح، التي يفتقر لها العديد من المتعلمين وادعياء الثقافة ومزوري التاريخ بل وحتى الجغرافية.

وبقدر ما يعاني إعلامنا الراهن من هزالة، إلا أنه يكشف لنا هذا القطيع من سليلي (مسيلمة) الثقافي، فكم من قصيدة تروى قصتها كذبا وكم أغنية ضاعت حقيقة مناسبتها؟

أتابع وعلى صفحات التواصل الاجتماعي أخبارا وقصصا في عالم الشعر والغناء، غارقة بأكاذيبها، فأعود معاتبا نفسي التي أمرتني بالسوء مرات... ومرات حيث كتبت ونشرت أكثر من نقد- بصيغة الفضح والتعرية- لمذكرات العديد من السياسيين، وهم يسجلون أمجادا لم يكن لهم بها ايما دور، وبعضهم يرمي باتهامات جرائم اقترفها رفاق دربه ليبرئ نفسه، متناسيا بأن التاريخ (طاوته حارة) على حد وصف الصديق الروائي نجم والي ذات مرة.

هؤلاء الذين ينسجون قصصا لأغان وقصائد سرعان ما يتناسون، فيعيدون مايقولون بصيغ متناقضة، فسرعان ما يفتضح أمرهم لكنهم لم يستحوا، ولا أدري لماذا تذكرت شعار نقابة الفنانين، الذي اعتمد طوال سنوات حكم صدام حسين، والذي هو إحدى مقولاته الفنطازية (الفنان كالسياسي كلاهما يصنع الحياة بصيغة متقدمة).

لقد تأثر هؤلاء بهذه المقولة التي جسدوها ب(صيغ متقدمة) ،حتى ارتفعوا بتزوير وقائع لم نزل احياءً وشهودا عليها.

أما عن الأموات فحدث ولا حرج حيث تزداد أعداد مجايلي الشاعر أو الموسيقى أو المطرب الراحل بمجرد الانتهاء  من مراسيم دفنه.

هؤلاء برأيي يصلحون جدا في أن يكونوا (محللين سياسيين) ليصدعوا رؤوسنا التي اعتادت تقبل وسماع الأكاذيب. بل ويصلحون لأي شيء  سوى (الإبداع)، فما من موهبة إلا وكانت انبثاقا حقيقيا للتجربة.

هؤلاء الرواة الذين ارتضوا الكذب والتزوير، لهم جمهور يصغي لما يروون، لأنه (جاهل) مهما تعلم ومهما شاهد ومهما أصغى.

قال الراوي، كثيرا ما نسمعها وقال عمرو نقلا عن زيد... وقالوا لكن كم هي مساحة النقل الصادق، مقارنة بما يزور ويحرّف من القول؟.

الحقيقة وحدها شاهد