تكريماتٌ رمضانيَّة

الصفحة الاخيرة 2019/05/12
...

حسن العاني 
 
في الأدبيات الإسلاميَّة تعدُّ الأيامُ أيام الله، وبذلك فهي بدون استثناء مباركة وإن كانت للجمعة خصوصيَّة اعتبارية ليس هذا مجال الحديث في تفاصيلها المعروفة، ويُقال الشيء نفسه على الشهور فهي مباركة بلا استثناء كذلك، ما دامت الشهور حاصل جمع الأيام، ومع ذلك كانت لرمضان خصوصيَّة عظيمة ترقى الى حدود الأفضليَّة لعدة أسباب يطولُ الكلام عنها والتفصيل فيها، وربما كانت ليلة القدر إحدى ليالي هذا الشهر الكريم على رأس تلك الأسباب، وغير خافٍ على المسلمين إنَّ الله سبحانه وتعالى قد خصّ تلك الليلة من ذلك الشهر بسورة كريمة من السور القرآنيَّة الصريحة التي توضح منزلتها الرفيعة ومكانتها المقدسة.
ويستفاد من التراث الديني وأدبياته، إنَّ رمضان هو شهر الرحمة الذي تزدادُ فيه القلوب بين المسلمين رقة وتعاطفاً وتقارباً، لأنَّ ثمة عنصراً جديداً يجمعهم غير العبادات الأخرى.. إنه الصيام الذي يساوي الفقراء بالأغنياء، ويلغي الفوارق الطبقيَّة، ومن هنا من النادر أنْ نجدَ الجيران يتبادلون الأطعمة مثلاً في غير هذا الشهر، وأنْ يحضر المحتاجون في ضمائر الموسرين فلا يبخلون عليهم بأنواع العون.. الخ، ومع أنَّ المشهد الذي تطاله ذاكرتي منذ خمسينيات القرن الماضي، قد تراجع الى حدٍ ما، ولكنه على العموم يقدِّم صورة عراقيَّة مشرقة تدعو الى الاعتزاز، ومعلوم إنَّ الناس توارثت أهمية الإتيان بالعمل الصالح والتعاطف والصدق وتجنب الغش والكذب والفساد المالي في هذا الشهر المبارك! ويبدو أنَّ هذا الإقبال على مزيدٍ من فعل الخير قد انسحب بدوره على الحكومات، وبالطبع لكل حكومة أسلوبها في طلب (الأجر والثواب)، ولكنَّ الغريب إنَّ الناس عادة ما تعترض أو تسخر أو تنزعج من صدقات الحكومات، فقد رأى العراقيون فيما رأوا حكومات تصرف للموظفين نصف رواتبهم الشهريَّة قبل حلول عيد الفطر بعشرة أيام لتمكينهم من تغطية نفقات العيد ومشترياته، إلا أنَّ هذه المبادرة الحكوميَّة الطيبة أغضبت معظم الموظفين، لأنهم لن يحصلوا على الراتب المقبل إلا بعد (40) يوماً، وهناك حكومات كرمت كل أسرة بدجاجة، احتفاءً بمقدم رمضان كما حصل قبل عشرين سنة تقريباً، ولم تكتفِ الناس بالضحك من هذا التكريم الذي أطلقت عليه الدولة اسم (مكرمة القائد) بل انزعجت لعدم عدالته، فالأسرة المكونة من 3 أفراد أو 13 فرداً تحصل على الكمية نفسها.. دجاجة واحدة!
ذات يوم ونحن على أبواب رمضان، وأنا في طريقي الى جريدة الصباح، جرى حديثٌ مفتوحٌ بين عددٍ من ركاب (الكوستر) حول نصف كيلو العدس لكل مواطن، والذي فكرت الحكومة أنْ تكسب من ورائه (الأجر والثواب)، وقد رسخت في ذهني بعض العبارات أنقلها كما سمعتها (يا جماعه.. تدرون الدوله دفعت 10 مليارات دينار ثمن العدس) (والله لو بانين بيها 10 مدارس يصيبهم أجر أكبر) (سمعت رمضان 2020 راح يوزعون نص كليو تمر زهدي لكل مواطن) (وآني سمعت برمضان 2021 يوزعون ماعون حلاوة على روح الموتى) (رجاء بدون شقه.. الشي الاكيد مثل ما سمعت راح يوزعون بعام 2022 قطعة أرض مجانية على كل عائلة) (شعجب يعني قطعة أرض) (أغاتي لأن 2022 هو عام الانتخابات البرلمانية والوعود الحلوه) .. مع الأسف وصلت مكان عملي ولم أسمع الحوارات التي ما زالت مستمرة!!