( الصباح) تؤيِّد إعادة النظر بقانونها..المخدرات تُهاجم الشَّباب بقيادة الكريستال وصفر واحد

ريبورتاج 2023/11/07
...

 علي غني
 تصوير: خضير العتابي

نكاد نقرأ يوميا إلقاء القبض على شبكة تتعامل بالمخدرات، وتجار المخدرات في تزايد، وحرائق المواد المخدرة التي يتمّ إلقاء القبض عليها مستمرة، ودائرة الطب العدلي تشهد وما زالت ألغاز هذه التجارة حتى الآن لم تكتشف، لا سيما في العراق، وبسرعة الضوء بدأت هذه التجارة تتطور وتدخل البيوت العراقيَّة الآمنة من أبواب خفية وعلنيّة، وأجزم أن كل حادثة انتحار أو حرق أو قتل وراءها تاجر مخدرات، فما هو المطلوب الان؟، ولمن الغلبة؟، ولماذا تعدد الانواع؟، ولماذا الكريستال هو سيد الساحة؟، وبألم وحرقة سأستمع لهذه القصص.
جرائم
لم ينفع الندم لـ (س) الذي تناول كمية من (الكريستال)، فوجد نفسه في فراش أمه، وهو يمارس (المحرّمات) معها من دون وعي، ولم يستوعب (ص) نفسه حين أقدم على قتل أسرته وهو غارقٌ بتعاطي وتجارة المخدرات، وعشرات القصص التي تتناولها مواقع التواصل الاجتماعي في العراق عن تشرّد العديد من الأسر من وراء انغماس أحد أفرادها بلعنة المخدرات، ولك أن تتخيل المزيد من القصص المؤلمة التي يقشعر لها بدني وبدنك، وإلّا لماذا تقدم امراة متزوجة على قتل نفسها في مسدس اشترته لهذا الأمر؟، إن وراء هذه القصص أسرار عجيبة، لكن لن أبرئ ساحة المخدرات إلى الأبد، هذا ما يحدث في العراق الان، وأدعو الباحثين للتوجه لمحافظة بابل لازدياد حالات الانتحار والحرق.

الأمن الإنساني
حسنًا، تعرضت الباحثة الشجاعة طالبة الدكتوراه في جامعة النهرين مها عصام العكيلي إلى مشكلة عالمية باتت تشكل تهديدا خطيرا للأمن الإنساني وخرقا فاضحا للعالم بأسره، فقلنا لها، قبل أن نبدأ بأسلتنا، نريد أن نعرف، لماذا هذا الانتشار الواسع لمادة الكريستال من دون المواد المخدرة الأخرى، فأجابتنا: المشكلة أنّ مادة (الكريستال) تعطي آثارًا مختلفة (تزيد الطاقة والنشاط والحيوية والكفاءة، فضلا عن تحسين المزاج وتزيد القدرة الجنسيَّة، كما أنّها تعطي الشعور بالفرح والنشوة، لكنّها في آخر المطاف قاتلة.
بعد أن فرغنا من هذا السؤال، أردنا أن نذهب بعيدًا للدخول في عالم المخدرات، فقلنا من أين نبدأ، من التعريف، وليكن: المخدرات مواد كيميائيَّة تسبّب الدوار والنعاس أو غياب الوعي أحيانًا، أي يصبح الفرد مخدرًا، وتؤدي بالأفراد إلى خروجهم عن المعايير والقيم والمبادئ الأخلاقيّة.
ربما فوجئت (الباحثة مها)، حين طلبنا منها ايجاد الفرق بين مفهوم التعاطي والادمان، فبيّنت مراحل تطور الإدمان، وهي أربع مراحل: (التجربة- التعاطي القصدي- المواظبة- الذروة)، وتابعت: أن "المخدرات لها أبعاد أخرى وتتمثل في الجوانب (القانونيّة- الصحيّة- الاقتصاديّة- النفسيّة- السياسيّة)، ثم عرّجت على أنواعها (مادة الكريستال، حبوب الكبتاكون "صفر واحد" - الترياك - الهيرويين - الآرتين) ويمكن أن اسميها. (والكلام للباحثة مها)، "الوجه الثاني للإرهاب"، إذ تنتهك الحريات وتسلب الحياة، ولكن بصمت، ولو قلت لك ما أبرز آثارها الآن (والكلام للباحثة): أقول لك بصراحة إنّها بدأت تعصف بعقول الأفراد بصورة عامة وبفئة الشباب بصورة خاصة، ويمكنها أن تتعدد إلى "صحيّة واجتماعيّة واقتصاديّة ونفسيّة (آثار جسديّة واضطراب في الجهاز الهضمي والقلب والتهاب المعدة المزمن وتليّف الكبد - تكوين سلوك عدائي للفرد المتعاطي لا سيما عندما لا يحصل عليها، فضلا عن الهلوسة".

استراتيجية جديدة
حملتُ أوراقي، وقصدتُ الداخلية بوصفها من أكثر الجهات التي تتصدى لهذا الموضوع، فوجدتُ أنّها وضعت "استراتيجية" لمكافحة المخدرات، كما ذكر اللواء خالد المحنا مدير دائرة العلاقات والاعلام في وزارة الداخلية في أكثر من مناسبة، مبيّنًا: أن وزارة الداخلية تهتم بشكل كبير بملف المخدرات، اذ يعد هذا الملف من الملفات الخطرة التي تهدد المجتمع العراقي، ولهذا وضعت وزارة الداخلية استراتيجية ترتكز على مبادئ عديدة، أحدها التعاون مع دول الجوار لمكافحة ومحاربة المخدرات، باعتبار هذا الملف عابرًا للحدود الوطنيّة، ولهذا يجب تضافر الجهود الدوليّة، فهذا الملف يشكل خطرًا على جميع دول الجوار وليس العراق فقط".
وبيَّن المحنا أنَّه "ضمن المبادئ تعزيز مديريات الضبط، كمديرية مكافحة المخدرات، وربطها بوكالة الاستخبارات وإتاحة كل الإمكانيات للأجهزة الاستخباراتيّة والفنيّة والتقنيّة وغيرها في خدمة هذه المديرية، وكافة مفاصل الشرطة للقضاء على كبار تجار المخدرات، فضلا عن جوانب أخرى وقائيَّة".
وأضاف أنَّ "هناك جهودًا من أجل توفير بنى تحتيَّة خاصة لإيواء المحكومين المدمنين على المخدرات وإعادة دمجهم بالمجتمع والعمل على وجود فرق فنيّة تعمل على فحص مبكر للمتعاطين للمخدرات، وتم البدء كمرحلة أولى بضباط ومنتسبي وزارة الداخلية، والمرحلة الثانية سوف تنطلق على الأشخاص المتقدمين على سلك الشرطة كمتطوعين، وهذا الأمر ستكون له أصداء كبير في المجتمع".
وختم اللواء حديثه، أن "المرحلة المقبلة سيكون هناك عمل كبير في ملف المخدرات، وستكون هناك نتائج كبيرة، من خلال القضاء على كبار تجار المخدرات والمتعاطين".

ضعف المؤسسات
أعود للباحثة مها عصام لأسالها عن أسباب انتشار المخدرات في العراق بهذه السرعة، وهي تقول: بعد عام 2003 ونتيجة لحالة الفوضى وضعف مؤسسات تنفيذ القانون في حينها، سعت بعض المجموعات إلى استغلال الوضع الأمني والسياسي الهش والفراغ الحدودي لتشكيل عصابات منظمة ذات سطوة ونفوذ واسعين للمتاجرة بالمخدرات إلى جانب انفتاح منافذ حدود العراق مع دول الجوار بعد أن كانت جميعها مغلقة في النظام السابق، فضلا عن موقع العراق ضمن الخط المحاذي للدول المنتجة والمصدرة والمستهلكة للمخدرات، وسعة الرقعة الجغرافية للحدود مع دول الجوار مع الإشارة لوجود فجوات وثغرات أمنيّة ضمن الشريط الحدودي، ولا بدَّ من التذكير بوجود مطابخ بدائيَّة ومعامل محليَّة لتصنيع المواد المخدرة ضمن المناطق السكنية المحاذية للشريط الحدودي. كما أن امتياز المواد المخدرة المتداولة حاليًّا (الكريستال ــ الكبتاكون) برخص ثمنها لدى دول الجوار، فضلا عن خصائصها الكيميائيّة، إذ تكون من دون طعم ورائحة مما سهل من انتشارها أكثر وأسرع، إلى جانب اعتماد العصابات الارهابيّة على جزء كبير من ايراداتها الماليّة على المتاجرة بالمخدرات وهي التي ترعى عملية نقلها من بلد إلى آخر، أي تحت حمايتها، كما أن هناك عدم تناسب بين توسع وانتشار جرائم المخدرات مع اجهزة متابعتها ومكافحتها فضلا عن الانفتاح المطلق وغير المقيّد لاجهزة التواصل والاتصال مما سهّل على العصابات عملية الترويج والمتاجرة. وربما تكون نقطة ضعف الوعي المجتمعي والديني والصحي بالمخاطر الناجمة عن تعاطي المواد المخدرة ضعيفة، مما عمّق هذه التجارة وانتشارها".

تعديل القانون
لكن وزارة الصحة كثّفت الاجتماعات بإشراف وزيرها الدكتور صالح مهدي الحسناوي، عقدت لتعديل قانون المخدرات رقم (50) لسنة 2017 برئاسة القاضي ليث جبر حمزة رئيس لجنة تعديل قانون المخدرات ورئيس هيئة الإشراف القضائي والدكتور أحمد عبادي رئيس قسم متابعة أعمال الهيئة الوطنية لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية في وزارة الصحة، وجميع اعضاء لجنة التعديل من وزارتي الداخلية والصحة يوم الثلاثاء 15 آب 2023".
وبيّن الدكتور أحمد عبادي، رئيس قسم متابعة أعمال الهيئة الوطنية العليا لشؤون المخدرات: أنّه تمت مناقشة التعديلات بحضور اللجنة المختصة بتعديل القانون والمشكلة من قبل الهيئة الوطنية العليا لمكافحة المخدرات وتم خلال الاجتماع مناقشة أغلب التعديلات المقترحة وتثبيتها".
وأضاف: أن الاجتماعات مستمرة لحين اكتمال التعديلات كافة لغرض رفعها إلى مجلس الدولة وبعدها إلى مجلس النواب لغرض مناقشة التعديلات والمصادقة على قانون مكافحة المخدرات للحد منها.

احصائيات وغرائب
لكن الشيء الملفت للنظر، وبحسب إحصاء من المديرية العامة لشؤون المخدرات، فإنَّ حصيلة النصف الاول من هذا العام تم القبض (16399) متورط بجريمة تعاطي المخدرات، منهم (9600) مجرم، حُكِمَ عليهم بالإعدام أو السجن المؤبّد، وهذه الحصيلة تعد الأكبر في تاريخ العراق، وقد تم قتل (13) متورطًا بهذه التجارة القاتلة، وأدّت العملية التي أطلق عليها عملية الردع الثانية إلى استشهاد 3 شهداء وجرح 20 منتسبًا، لكن الشيء العجيب أن إتلاف المخدرات الذي تشرف عليه أعلى الجهات في الحكومة وبحضور قاضٍ ولجانٍ عديدة يستغرق ساعات عديدة في محرقة تصل درجة حرارتها (1000) درجة مئوية، وبعد الإحراق يتم اختبار المواد المخدرة للتأكد من عدم فاعليتها".