المخدرات.. إرهابٌ صامتٌ يفتكُ بالمجتمع
أحمد بشي
تعكسُ البيانات والأرقام التي تتداولها الجهات الرسميَّة في وزارتي الداخليَّة والصحة، خطورة الأزمة التي تشكلها المخدرات، فضلا عما تمثلها من تهديد للسلم المجتمعي وسط عجز الأجهزة الحكوميَّة عن السيطرة والحد من هذه الظاهرة التي انتشرت داخل المجتمع العراقي كالنار في الهشيم.
بداية الآفة
العقيد بلال صبحي مدير علاقات وإعلام مديريَّة مكافحة المخدرات في وزارة الداخليَّة أكد في حديثه لـ(الصباح)، أنَّ "المديريَّة تمتلك قاعدة بيانات عن أساليب ومناطق دخول المواد المحرمة، إذ كان العراق قبل 2003 ممراً ومعبراً وعند انفتاح الحدود على مصراعيها بعد تلك الفترة انتشرت المواد المخدرة كالحشيشة والكريستال التي تمرُّ عن طريق محافظة ميسان والبصرة، وحبوب الكبتاجون التي تصلُ عبر الصحراء من الجهة الغربيَّة في محافظة الأنبار، وأغلبها تدخلُ من خلال طرقٍ غير رسميَّة عبر الشريط الحدودي للأهوار ومصادرة 80 % من هذه المواد".
وأشار الى أنَّ "بعض النساء لهنَّ دورٌ في عمليات التهريب كون البلد يهتمُّ بالتقاليد وعدم التعرض للنساء في السيطرات، وتمَّ ضبطُ (250) امرأة متلبسة في التجارة والتعاطي خلال العام الماضي، وهذه العصابات تستغلُ النساء والشباب في الترويج ونقل المواد المخدرة لا سيما في الكافيهات".
وأوضح صبحي، أنَّ "المفارز الموجودة في المنافذ الرسميَّة تفتقرُ للأجهزة الحديثة في كشف المتعاطين والمواد المخدرة عند إخفائها في العجلات والأغذية، ويكمنُ اعتمادنا على المعلومة الاستخباراتيَّة التي يقدمها المواطن، كما أنَّ لعصابات داعش الإرهابيَّة دوراً في زيادة تلك التجارة عام 2014، لذا جاء تشكيل المديريَّة متأخراً استناداً الى قانون المخدرات رقم (50) لسنة 2017، وبدأت عملها الفعلي سنة 2019".
وأضاف، بأنَّ "وزارة الداخليَّة اتخذت حُزماً من الإجراءات من أجل رفع مستوى أداء المديريَّة متمثلة بترقية أقسام شؤون المخدرات في جميع المحافظات الى مديريات وربطها إدارياً وفنياً بالمديريَّة العامَّة، ودعم المتعاونين، وإجراء فحوصات عشوائيَّة لأكثر من 16 ألف ضابطٍ ومنتسبٍ في الوزارة"، مشيراً الى "تخصيص مبلغ مليار دينار شهرياً لغرض إنشاء مستشفيات قسريَّة ومراكز لإيواء المتعاطين من أجل عزلهم عن كبار تجار المخدرات وعدم تحولهم من متعاطين إلى تجارٍ بعد انتهاء فترة محكوميتهم".
مصاعب وتحديات
تلقي المخدرات بأثرها السلبي على الاستقرار الأمني، الخبير الأمني سرمد البياتي بدأ حديثه بشأن هذه الآفة، مؤكداً في حديثة لـ(الصباح) أنَّ "المخدرات هي الصفحة الثانية من الإرهاب التي تواجه العراق بعدما فوجئ بهجمة جديدة وسريعة ضده، وإنَّ عدم السيطرة على الحدود يفتح مجالاً واسعاً لتجارة المخدرات المحرمة دولياً، لا سيما بعد أنْ تعطي مبالغ نقديَّة عالية الى التاجر، فضلاً عن ضعف العقوبات المترتب عليه تفاقم هذه التجارة".
منوها الى أنَّ "للمخدرات أثراً سلبياً على الاستقرار الأمني كونها مؤثرات عقليَّة تتبعها جرائم قتل وسرقة، وإنَّ الاستراتيجيَّة الجديدة تتضمنُ البحثَ عن شبكات الرؤوس الكبيرة للمهربين عكس ما كانت سابقاً بتتبع الموزعين الصغار والمتعاطين وكشف مخازنهم، وكلما كانت عقوبات الإعدام بالتجار الكبار كلما أدى الى انخفاض الجريمة"، ويلفت البياتي، الى أنَّ "للجماعات المسلحة المنفلتة سطوة في حماية التجار الذين يملكون جواسيس ومنظوماتٍ استخباراتيَّة لحمايتهم".
وبين أنَّ "أهم المستلزمات الأمنيَّة تتمثلُ بدعم الدولة لضباط مكافحة المخدرات، ودعم القضاء، ويحتاج فقط الثبات وعدم التردد في هذا المجال حتى لو كانت لهم مناصب في الدولة العراقيَّة، والقوات
الامنيَّة ليست قليلة الخبرة، ولكنْ نحتاج الى وقتٍ في الاستفادة من الخبرات الدوليَّة التي عانت المشكلة ذاتها".
مناخٌ مناسب
الدكتورة إيناس كريم، رئيسة منظمة "نقاهة لمعالجة إدمان المخدرات" بينت في حديثها لـ(الصباح)، أنَّ "عمل المنظمة تطوعيٌ ويسيرُ وفق مجموعة من المعالجين النفسيين والمرشدين.. ويكمنُ دورنا بين المدمنين والمكان لعلاجهم، بعد إقناعهم بالعلاج وتركهم للمواد المخدرة وإدخالهم للمستشفى الحكومي لتأهيلهم نفسياً وتدريبهم في ما بعد العلاج لإيجاد فرصة عمل، وعمل المنظمة أصبح ضمن أولويات اللجنة النيابيَّة لمكافحة المخدرات، وكنت من ضمن الأشخاص الذين قدموا مجموعة مقترحات ودراسة شاملة لمكافحتها وتمَّ اعتمادها بشكلٍ رسمي وقدمت لمجلس الوزراء لكي تصبح خطة وطنيَّة".
كما أكدت "ضرورة التوأمة مع أغلب مؤسسات الدولة الأمنيَّة والطبيَّة والتربويَّة حتى نتمكن من مساعدتهم، وهذا الأمر لا تستطع العمل به وحدك، والسعي وقائياً من أجل توعية المجتمع وتحديداً فئة الشباب من الطلبة في جميع المحافظات عبر مؤتمرات ونشاطات اجتماعيَّة لحمايتهم".
وأوجزت إيناس كريم المشكلات التي تواجه العراق بملف المخدرات بنقطتين: "الأولى الردع لهذه التجارة المحرمة وبطريقة عالية جداً، أما الثانية فهي الإيمان بفكرة المعالجة وليس العقاب؛ لأنَّ هؤلاء ضحايا مجتمع فيجب ألا نعاقبهم بالسجن لأنهم سيخرجون حاقدين على أنفسهم وبلدهم".
ردعٌ قانوني
الخبير القانوني مناف الخيكاني ذكر في حديثه لـ(الصباح)، أنَّ "المشرَّعَ العراقي عالج مكافحة المخدرات في قانون المخدرات العراقي رقم (68) لسنة 1965، كما حرم صنع المخدرات والاستخراج والتحضير والحيازة والتقديم والعرض للبيع والتوزيع والشراء ولا يجوز المتاجرة بالمخدرات والمستحضرات الحاوية على مخدرات مهما كان نوعها".
وتابع الخيكاني أنَّ "المادة (14) من قانون المخدرات نصَّت على أنَّ المخالف يعاقبُ لأحكام المادتين (9) و(10) من هذا القانون بغرامة أو الحبس مدة لا تزيد على سنة واحدة، والمادة (14) من الفقرة (ب) يعاقب بالإعدام أو بالسجن المؤبد وبمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة كل من أرتكب بغير إجازة من السلطات المختصة أو قام باستيراد أو تصدير أو جلب المخدرات أو أنتجها أو صنعها بقصد الاتجار بها أو باعها، وكذلك إذا كان المتهم مترئساً جماعة لارتكاب هذه الأفعال أو كان المتهم من الموظفين يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة ولا تقل عن الحبس لمدة ثلاث سنوات وبغرامة ماليَّة، كما أنَّ التعاطي من الأسباب التي تؤدي الى كثيرٍ من الجرائم ومنها حالات وقوع الطلاق، وقد عدَّ المشرّعُ العراقي في قانون الأحوال الشخصيَّة رقم (188) لسنة 1959 الإدمان سبباً يؤدي الى التفريق القضائي حيث التعاطي أو المتاجرة تجعلُ الحياة الزوجيَّة مهددة بالانهيار".
وبين الخيكاني أنَّ "يجب تشديد العقوبة بالنسبة لتعاطي وتجارة المخدرات، وإعادة النظر في القوانين العقابيَّة المتعلقة بها لاسيما قانون المخدرات رقم (68) لسنة 1965؛ لأنَّ هذا التشريع لم ينسجم مع تطور أساليب المتاجرين بالمخدرات والأنواع الجديدة المستخدمة، وخاصة في ما يتعلق بإغواء الأحداث وتشجيعهم على التعاطي، كما أنَّ انتشار صيدليات الأرصفة الوهميَّة ظاهرة خطيرة أو العمل في الصيدليات من قبل أشخاصٍ غير مؤهلين لممارسة المهنة أو صرف أدوية بغير وصفات طبيَّة أو لأشخاصٍ غير مستحقين، لا سيما أنَّ بعض الأدوية المخدرة تصرفُ لأشخاصٍ مرضى ولغرضٍ علاجي".
وذكر أيضاً "ضرورة إنشاء جهازٍ متخصصٍ بمكافحة المخدرات أسوة بجهاز مكافحة الإرهاب الذي يتولى مكافحة هذه الجريمة، ويكون له تواجدٌ في المطارات والمنافذ الحدوديَّة، ويكون له تعاونٌ مع الجهات الرقابيَّة في وزارة الصحة والعمل على تدريب الشرطة المتخصصة بهذا النوع من الجرائم بالتقنيات الحديثة لأنَّ أساليب المتاجرين بالمخدرات في تطورٍ مستمرٍ لغرض إخفاء معالم الجريمة، وألا يكون البلد معبراً أو ممراً لتجار المخدرات أو مستهلكاً لها".
برنامجُ تأهيلٍ وطني
وتبلغ الإحصائيات لحالات الشفاء التام هذا العام أكثر من 50 % وبمعدل ألف شخصٍ تقريباً من بينهم المراهقون الذكور من الفقراء، المعاون الإداري لمستشفى العطاء علي طعمة أوضح لـ(الصباح) أنَّ "المرحلة الأولى لعلاج المدمنين تتمُّ بحجز المتعاطي في المستشفى لمدة (14) يوماً وبعدها يخرج ويراجع المستشفى كل أسبوع إنْ كان من سكنة بغداد، وإنْ كان من خارجها فيراجع كل أسبوعين في مصحات العطاء وابن الرشد والشفاء".
وأكد أنَّ "الأدويَّة المستخدمة لعلاج المتعاطين تكون على نوعين منها علاج كيميائي وتستخدم فيه الأدوية الطبيَّة (Risperidone) (Gabapentin)(Depakine) (Libriun) (olan) (Fluoxetine) (Tegretol)، فضلاً عن العلاج النفسي الذي يتضمن جلسات أسبوعيَّة أو يوميَّة انفراديَّة أو جماعيَّة حسب حالة المتعاطي".
وأردف طعمة، أنَّ "السوشيال ميديا أثرت في تزايد أعداد المدمنين، كما أنَّ الشك والوسواس والإقبال على الانتحار والقتل والسرقة وزنا المحارم وعدم النوم وانقطاع الأكل والشرب من الأضرار التي تلحقها المخدرات بدماغ المتعاطي، ومن أجل الوقاية يجب أنْ تكون متابعة مستمرة من قبل الأهل لأبنائهم بالابتعاد عن الاماكن المشبوهة".
مسببات
ترى الباحثة الاجتماعيَّة الدكتورة ندى العابدي، أنَّ "انتشار المواد المخدرة يعودُ الى انشغال الدولة بالتحديات التي تواجهها، ما يعطي الفسحة بتسرب المخدرات، وأنَّ أسباب التعاطي تكمن بالرفقة السيئة عن طريق الأصدقاء الذين يلتقون بالكافيهات أو الأماكن الأخرى والتي تبدأ بتجربة بسيطة وتصبح في ما بعد إدماناً لسرعة اندفاعهم وعدم خبرتهم في التعامل مع المشكلات".
وذكرت العابدي، أنَّ "الآثار الناجمة عن انتشار المخدرات تفسخ المجتمع وتسهمُ بالتفكك الأسري وانتشار الجريمة، فضلاً عن تراجع البلد ومستوياته التربويَّة والتعليميَّة وتعطيل فئة الشباب"، مشيرة الى أنَّ "العامل الاقتصادي سببٌ في دفع الأشخاص الى التعاطي".
موضحة أنَّ "الحلول تتركز في استثمار أوقات الشباب، وإعطاء فرص متساوية للجميع وعدم التهميش وإلغاء المحسوبيَّة والمنسوبيَّة، والبدء باجتثاث المشكلة من الأصل، ويجب أنْ تؤدي التوعية الدينيَّة دورها عبر المنابر فضلاً عن التعاون مع شخصيات فنيَّة
مؤثرة".