جرايد

ثقافة شعبية 2023/11/09
...

كاظم غيلان

تُختزنُ ذاكرة أجيالٍ عديدة بالصحافة الورقيَّة التي شهدت ولاداتها الإبداعيَّة من خلال نشر المحاولات والكتابات الأولى، بل وأمست شرطاً في قبول عضويَّة معظمنا لاتحاد الأدباء. وللجريدة وقعٌ خاصٌّ وحضورٌ في قصائد العديد من شعراء العاميَّة العراقيَّة، فهذا (مظفر النواب) يوظفها في قصيدة (البراءة) وعلى لسان الأخت:
(تالي تهتكني ابخلك وصلة جريده
كرة اعيونك يخويه ابهاي جازيت انتظاري)
بينما (فاضل السعيدي) كتب أبرز قصيدة له بعنوان (جرايد):
(جرايد... جرايد
صوت بياع الجرايد
انتظروا اقرو اخر خبر
ازمة الدولار تتحدى القدر)
(محمد عزيز كاندو) قرأ في مهرجانٍ عمالي سبعيني قصيدة عن واحدة من التظاهرات التي كانت تهتفُ بسقوط الاستعمار والرجعيَّة ليصف مصرع شقيقين:
(بيد ازغرهم صمغ
وبيد اكبرهم جريده)
ولربما تناسيت العديد من القصائد هنا، فليعذرني الأصدقاء.
الصفحات المعنيَّة بشعر العاميَّة قليلة جداً ولربما أبرز من اهتمت بهذا اللون الإبداعي (طريق الشعب، الراصد، المجتمع، الثغر البصريَّة، كل شيء)، فضلاً عن مجلات بارزة كـ(الفكاهة) و(المتفرج)، وهاتان المجلتان كرستا صفحاتهما الشعريَّة للاتجاه التقليدي وكثيراً ما كانتا تسخران من موجة الحداثة.
لـ(الراصد) ميزة عن العديد مما ذكرت، فقد اهتمت بالدراسات إلى جانب الشعر، وتناوب على تحريرها الأصدقاء عادل العرداوي، سعيد الأسدي، حبيب الأسدي.
صفحة الراصد كان لها وقعٌ خاصٌّ، نشمُّ رائحة حبرها ونسهرُ مع حروفها، ولكَمْ يكون الحظ حليفك إنْ نشرت فيها.
الصحافة الورقيَّة وبحكم نهضة الحداثة (الانترنت) وما اشتقَّ عنه من برامج السوشيال ميديا دخلت مرحلة الاحتضار، وإنَّه لأمرٌ يحزنني على الدوام، فما من مرجعيَّة يضمها أرشيفي المتواضع إلا وكان (جريدة).
منذ أكثر من ثلاثة أعوام وأنا أجدُ في نشر كتاباتي على مواقع الصحف التي أتعامل معها ما يغنيني عن شراء الجريدة أو المجلة، مع ذلك وبحكم علاقة الحب التي ربطتني بزمانها أقتنيها أحياناً من دون حاجتي إليها.
قبل أيامٍ نشرت مادة وطلبت من صديقي الكُتبي سعد حيدر ابن أقدم مكتبة في ميسان بأنْ يطّلعَ عليها لأن رأيه يهمني، أجابني بأنَّه سيطلع على صفحتي في (فيسبوك) كونه صديقي فيها.
هنا انتبهت، إنْ كان الكتبي يستغني عن الجريدة فمن لها من قراء؟ ومع أنَّ ما أوردته ليس بالقياس أو الحكم النهائي في انتفاء جدوى الصحافة الورقيَّة ولكنه بات واقع حالٍ كما يُصطلح.
لكنني أظل: أحب الجرايد. فهي بمقام البيت الأول، الحبيبة الأولى، المدرسة الأولى.
أحبك أيتها الجريدة.