دانيال بوفي
ترجمة: مي اسماعيل
توصلت دراسة استقصائيَّة إلى أنه من بين نحو 6752 شخصاً منحدرين من أصول أفريقية في ثلاث عشرة دولة؛ عانى نحو النصف من التمييز ضدهم. باتت العنصرية {منتشرة ولا هوادة فيها} وتتصاعد باستمرار في أوروبا؛ إذ عانى نحو نصف الأشخاص السود بدول الإتحاد الأوروبي من التمييز؛ متراوحا بين الإساءة اللفظية ضد أطفالهم إلى منع أصحاب العقارات لهم من استئجار المنازل. كشف استطلاع أجرته وكالة حقوق الإنسان التابعة للإتحاد الأوروبي للأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي عن وجود مستويات عالية من التمييز. وجرى تسجيل أسوأ نتائج الاستطلاع في النمسا وألمانيا؛ حيث شهدت أحزاب أقصى اليمين صعودا ملحوظا.
شمل الاستطلاع نحو 6752 شخصا منحدرين من أصول أفريقية في 13 دولة، هي- النمسا وبلجيكا والدنمارك وفنلندا وفرنسا وألمانيا، وايرلندا وايطاليا ولوكسمبورغ، وبولندا والبرتغال واسبانيا والسويد. وكشف أن نحو 45 بالمئة منهم واجهوا التفرقة العنصرية؛ بزيادة نحو ست نقاط مئوية عن 39 بالمئة عام 2016. قال ثلاثة من كل أربعة شملهم الاستطلاع في كل من النمسا وألمانيا (72 و76 بالمئة على التوالي) أنهم شعروا بالتفرقة ضدهم خلال السنوات الخمس الماضية. وهي نسبة ترتفع من النصف (51 و 52 بالمئة على التوالي) للسؤال نفسه عام 2016.
أحزاب ضد المهاجرين
أصبح حزب “البديل من أجل ألمانيا- (AfD)Alternative für Deutschland “ ثالث أكبر أحزاب البلد، إضافة لكونه أكبر أحزاب المعارضة بعد الانتخابات الفيدرالية عام 2017. ورغم أنه لم يحقق ذات النجاح عام 2021، لكن نفوذه يتنامى. جرى شهر تموز الماضي في ألمانيا لأول مرة انتخاب أحد سياسيي الحزب لمنصب مدير مقاطعة (الموازي لمنصب العمدة). كما ظهرت مؤخرا نجاحات انتخابية أخرى غرب البلد؛ مما دعت الحزب لوصف نفسه بأنّه..” الحزب الرئيسي لعموم ألمانيا”. وفي النمسا تصدر حزب “الحرية-FPÖ” (الذي تأسس عام 1956 على يد موظف نازي سابق وضابط في قوات الأمن الخاصة “SS”) صناديق الاقتراع قبل انتخابات عامة مقررة العام المقبل؛ ومن المتوقع فوزه فيها.
وصف “مايكل أوفلاهرتي” مدير وكالة الحقوق الأساسية بالإتحاد الأوروبي؛ التي تقدم المشورة للمفوضية الأوروبية في الشؤون السياسية؛ نتائج الاستطلاع حول أن يكون المرء أسود في الإتحاد الأوروبي بأنها.. “مخزية”. ودعا جميع دول الإتحاد الأوروبي إلى جمع معطيات المساواة؛ بما في ذلك البيانات المتعلقة بالأصل العرقي أو العنصري، في محاولة للسيطرة على المشكلة بشكل أكبر. على خلاف بريطانيا؛ لا تقوم ألمانيا (بسبب الحساسيات الناشئة عن الحرب العالمية الثانية) بجمع بيانات التعداد حول التنوع العرقي. يقول أوفلاهرتي: “من الصادم أن لا نرى تحسنا ((في الموقف)) منذ استطلاعنا السابق عام 2016. بل يواجه الأشخاص المتحدرون من أصول أفريقية المزيد من التمييز فقط بسبب لون بشرتهم. ولا ينبغي أن يكون للعنصرية والتمييز مكان في مجتمعاتنا، ويجب على الاتحاد الأوروبي وأعضائه الاستفادة من هذه النتائج لتوجيه جهودهم بشكل أفضل، وضمان قدرة المنحدرين من أصل أفريقي أيضا على التمتع بحقوقهم بحرية دون عنصرية أو تمييز”.
مقاربات عرقية
تلك العنصرية التي كشفتها الوكالة تؤثر في حياة الناس اليومية؛ إذ قال واحد من كل أربعة ممن شملهم الاستطلاع (ونسبتهم نحو 23 بالمئة) أن أحد أصحاب العقارات منعهوهم من استئجار سكن لديهم بسبب عرقهم او أصلهم. وأشار نحو ربع الأشخاص السود (23 بالمئة) أن أحدهم وجه ملاحظات تهديدية أو مسيئة إلى أطفالهم شخصيا بسبب خلفيتهم العرقية أو المهاجرة. كما سجلت اثنتان من كل خمس أُسر في ايرلندا (39 بالمئة) وألمانيا وفنلندا (38 بالمئة لكليهما) والنمسا (37 بالمئة) مثل تلك التجارب. وفي كافة البلدان التي شملتها الدراسة؛ تبين أن الشباب المنحدرين من أصل أفريقي أكثر عرضة بثلاثة أضعاف لترك المدرسة في وقت مبكر، مقارنة بعموم السكان. كذلك قال واحد من كل أربعة (نحو 26 بالمئة) أن الشرطة اوقفتهم خلال السنوات الخمس التي سبقت الاستطلاع. ومن بين هؤلاء وصف نحو النصف (48 بالمئة) آخر حادثة إيقاف بأنها ذات طابع عنصري. وارتفع معدل نسبة السود الذين وصفوا قناعتهم أنهم كانوا ضحية المقاربات العرقية من قبل الشرطة في كافة البلدان التي شملها الاستطلاع من 41 بالمئة عام 2016 إلى 48 بالمئة عام 2022؛ عندما تم إجراء الاستطلاع الأخير.
عموما كان معدل العمالة بين الأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي الذين تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 64 سنة نحو 71 بالمئة؛ وهو مماثل لمعدل عموم السكان (73 بالمئة أيضا) لنفس الفئة العمرية. لكن ما يقرب من ثلث هؤلاء المشاركين (نحو 32 بالمئة) كانوا يعملون بـــ”مهن بسيطة”؛ مقارنة بمعدل نحو 8 بالمئة من عموم السكان في جميع الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة. يشتغل نحو ثلث العاملين من أصل أفريقي (30 بالمئة) بعقود مؤقتة؛ وهذه النسبة تمثل نحو ثلاثة أضعاف إجمالي عدد السكان في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي (11 بالمئة). كما تبين أن العاملين السود يحملون مؤهلات تفوق متطلبات الوظائف التي يعملون فيها. إذ يعمل نحو ثلث العاملين السود (35 بالمئة) من أصحاب المؤهلات الجامعية بوظائف تتطلب مهارات متوسطة أو منخفضة؛ مقارنة مع نحو 21 بالمئة من عموم السكان. هؤلاء المشاركون في استطلاع الإتحاد الأوروبي إما ولدوا في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أو متحدرين من مهاجرين كان أحد والديهم على الأقل قد ولد في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
صحيفة الغارديان البريطانية