بغداد: شكران الفتلاوي
أجمع خبراء ومهتمون في الشأن الاقتصادي، على أن البلد يعاني أزمة سكن خانقة، وأن ما يبنى من مشاريع إسكان لا يلبي الطموح ولا يخدم الطبقات المتوسطة والفقيرة، بل هي مشاريع لذوي الدخل العالي، مشددين على ضرورة التوسع بشكل أكبر في منح قروض البناء وشراء الوحدات السكنية، شريطة توزيعها بشكل عادل بين المستحقين من الموظفين والمتقاعدين والعاملين في القطاع الخاص.
ويأتي استغراب المختصين بالشأن الاقتصادي من "حجم الأسعار الملتهبة" للوحدات السكنية، متزامناً مع التوصيات التي خرج بها المجلس الأعلى للسكان، خلال الاجتماع الذي ترأسه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، والتي شددت على ضرورة دعم وتنفيذ البرامج التنموية المعنية بمحاور السياسة السكانية في البلاد.
وعلى الرغم من التوسع الحاصل في بناء المجمعات السكنية بمختلف انحاء البلاد، بيد أنَّ اسعار تلك الوحدات شهدت ارتفاعات غير مسبوقة، وأدت الى تفاقم أزمة السكن بدلاً من حلها، حيث يصعب على أصحاب الدخول الواطئة والموظفين والمتقاعدين شراء وحداتهم السكنية نتيجة ارتفاع أسعارها المستمر.
ويقدر المختصون بالشأن الاقتصادي، حاجة البلاد الى ثلاثة ملايين وحدة سكنية، محذرين من أنَّ تزايد معدلات النمو السكاني يمكن أن يفاقم الأزمة خلال السنوات المقبلة، لاسيما أن معدلات ذلك النمو بلغت بحدود 2.6 % .
وفي صورة تؤكد عزم الحكومة على وضع حد للاسعار المرتفعة للوحدات السكنية، وجه رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار، حيدر محمد مكية، في وقت سابق، هيئات الاستثمار في المحافظات كافة، بالتزام الشركات المستثمرة بالأسعار المثبتة بدراسات الجدوى الاقتصادية التي منحت بموجبها الإجازة الاستثمارية وتسديد مستحقات بيع الوحدات السكنية بالدينار العراقي حصراً، مبيناً أنَّ "الهدف من هذا التوجيه هو لضبط سعر الوحدات السكنية في المجمعات الاستثمارية بعد تسجيل مجموعة من المؤشرات حول أعمال بعض الشركات المنفذة للمشاريع وبيع الوحدات السكنية بأسعار مرتفعة".
المهتم بالشأن الاقتصادي، الحقوقي ثبات السوداني، بين لـ"الصباح" أن تشجيع الاستثمار وبناء المشاريع الإسكانية في اي بلد، يعملان على تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين جودة الحياة، فضلاً عن تعزيز الايرادات وتحقيق عوائد مالية للدخل الوطني، غير ان ذلك التوجه مختلف لدينا، حيث خرجت تلك المشاريع عن اطارها الحقيقي كاستثمار، بل اصبحت متاجرة بحقوق المواطن وفي ما يمتلكه من حق في أرض الدولة.
وأضاف السوداني، أن سعر الوحدة السكنية مبالغ به بشكل كبيرجداً، ويصل أحيانا الى أربعة أضعاف كلفة الإنشاء، فضلاً عن انه لايتناسب مع المواصفات و التطورات العمرانية في العالم، ناهيك عما تسببه تلك المشاريع من ازمات لعدم دراستها من قبل مختصين، كونها اصبحت متاجرة بالمال العام، يتحمل أعباءها المواطن من خلال الديون الكثيرة وفوائدها المرتفعة.
ودعا المتحدث إلى أهمية التعاقد مع شركات دولية رصينة لبناء المدن السكنية، وعدم تكرار مشكلة التلكؤ في بناء المشاريع، يرافق ذلك التركيز في بنائها على أطراف المدن والابتعاد عن المركز للتقليل من الزخم الحاصل والاتجاه إلى البناء العمودي، وهي معايير بدأت الكثير من الدول أخذها بنظر الاعتبار لاهميتها.
الخبير الاقتصادي عماد المحمداوي قال لـ"الصباح": إنَّ "عدم منح الأراضي مجاناً للمستثمرين وفق التصريحات الأخيرة لوزارة الإعمار والإسكان والبلديات العامة، نتيجة لشكوى المواطنين، ببيع الوحدات السكنية باسعار مرتفعة يعد خطوة جيدة في طريق الاستثمار".
حيث تم الإعلان مؤخراً من قبل وزارة الإعمار والإسكان والبلديات العامة، في ما يتعلق بقطاع السكن، أن "الحكومة ولأول مرة لا تمنح الأراضي مجاناً إلى المستثمرين، نتيجة لشكاوى المواطنين بأن المشاريع الاستثمارية تباع بأسعار مرتفعة تصل لأربعة أضعاف كلفة الإنشاء لهذه المشاريع، حيث تمنح الأرض بمبلغ شبه مجاني 2 بالمئة من قيمتها الحقيقية لأغراض الاستثمار السكني".
كما تم الاعلان مؤخراً، من قبل وزير الإعمار والإسكان والبلديات العامة بنكين ريكاني، عن إجراءات حكومية ستسهم في خفض أسعار العقارات ،فيما أشار إلى قرب إطلاق مشاريع مدن سكنية جديدة في عموم البلاد.
واضاف ريكاني في مؤتمر صحفي ، تابعته "الصباح" أنَّ "الوزارة حالياً تنفذ 306 مشاريع في عموم العراق في قطاعات الطرق، اذ تم البدء بتنفيذ أكثر من 90 مشروعاً في مجالات الطرق والماء والمجاري وأيضاً في قطاع الإسكان الذي يعد هو الأضعف ولا يلبي الطموح، إلا أن تركيز الحكومة منذ اليوم الاول وبرنامج رئيس الوزراء محمد شياع السوداني كان على قطاعين بشكلٍ أساسي وهما قطاع السكن وقطاع الطرق.