حسن نصر الله وخطاب القوة

آراء 2023/11/14
...

 حسن الكعبي 


لم يكن خطاب - السيد حسن نصر الله - من نوعية الخطابات الإنشائية، التي تتكئ على العنتريات المعهودة في الخطابات العربيَّة العائمة، الحافلة بانجازات لا تستند إلى وقائع، أو تدعمها وقائع تضمن صدقها أو حقيقتها، كما أن الخطاب لم يكن سردا لتاريخ المقاومة اللبنانية (وحزب الله تحديدا) وانجازاتها المتحققة في صراعها مع الكيان الصهيوني، منذ قيام دولته المشؤومة وغلى اللحظة الراهنة، أي ان الخطاب لم يكن محاولة لتأكيد هذا التاريخ الفعلي للمقاومة مع الكيان الصهيوني المحتل والغاصب، وإن كان هذا التاريخ مشرفا، ولا يمكن انكاره أو التشكيك به ويحق لــ” نصر الله” أن يستعيده ويذكر به كحقيقة ماثلة، لها انجازات كبيرة سببت احراجات مقلقة للكيان الصهيوني وللحليف الامبريالي الداعم لهذا الكيان الغاصب. إن الخطاب كان يسعى لتوضيح ستراتيجيات المقاومة في ادارة الصراع انطلاقا من قراراتها الوطنية، ودون الخضوع لوصايا خارجية مفروضة على هذا القرار، كما تلمح إليه الإدارة الامريكية، التي تسعى لأن توجه الرأي العام إلى ذلك، كمحاولة من هذه الادارة لتبكيت (ايران) الخصم التاريخي لها، والذي تحاول أان تصفي الحساب معه تحت ذرائع شتى، وقد كان الدعم الإيراني الواضح للمقاومة وموقفها المضاد للكيان الصهيوني، أحد أهم المرتكزات في فبركة الادارة الامبريالية لسردية ( دعم إيران للإرهاب – حسب التوصيفات الأمريكية للمقاومة)، في سياق التعريض بالمقاومة الوطنية، التي تدافع عن حقوقها المشروعة واستعادة حقوقها المسلوبة، ومقاومة مشروع الاستيطان الإسرائيلي التوسعي , كستراتيجية اعتمدها الكيان الصهيوني في ازاحة الفلسطينيين ومحو تاريخهم بالكامل، وهي ستراتيجية تتغذى على تعصب عرقي متشدد تحفه نرجسية تمتزج بعقدة الاضطهاد وفوبيا الآخر ورفض التعايش معه.  طرح (السيد نصر الله) احتمالات عدة، ومن بين هذه الاحتمالات هو احتمال الغلبة للكيان الصهيوني، اعتمادا على الدعم الامريكي لها، وقوتها التسليحية، والموقف العربي المتخاذل عن دعم المقاومة، والذي يزيد في ترجيح هذا الاحتمال، لكن واستنادا إلى خطاب (نصر الله) فإن هذا الاحتمال قابل لعدم التحقق فقد حفل خطاب (نصر الله)، بنبرة تشكيكية تحوم حول هذا الاحتمال بازاء نبرة وثوقية بانتصار المقاومة، استنهضها في خطابه، استنادا إلى (الوعد الإلهي بالنصر)، كعقيدة متبناة من قبل المقاومة بكل جيوبها.

يفهم من ذلك أن الاحتمالات المطروحة في هذا الخطاب تأتي في سياق مخاطبة الوعي، الذي يعتمد على الاجراءات التجريبية ويحتكم إلى الوقائع في استقراء الأحداث والاحتكام إلى معطياتها في استنتاجاته، التي تستبعد كل ما - لا يخضع للتجربة -، وهو ما يفسر هذا الاتكاء في خطابه على الاحتمالات، التي قد تأتي نتائجها في سياق ربما لا يكون بمصلحة المقاومة في نضالها المقدس.

اعتمد (السيد نصر الله)، ضمن خطابه في توهين هذه الاحتمالات المتجهة لصالح الكيان الغاصب، على - الوعد الإلهي بالنصر- والذي تستمد المقاومة قوتها منه، وشدد على هذا المهمين العقيدين، في منظورات المقاومة، ولذلك فإن خطابه حمل تلك النبرة الواثقة، التي أضفت على خطابه طابع القوة.

مرتكزات (السيد نصر الله)، على الوعد الإلهي ربما تكون مادة للتندر في - الأوساط الثقافيَّة العربية- ويتم ادراجها ضمن مناطق الدوغما ومفهوم العقل الغيبي المعطل أو (العقل المستقيل)– حسب تقسيمات محمد عابد الجابري للعقل العربي-، لكن هذه المرتكزات ضمن الوعي الصهيوني والإمبريالي، هي بمثابة مؤشر على الخطر، فهي – أي المرتكزات – بمثابة رسالة تحمل شفرات تقترن بالتهديد والخطر في مقاربات الوعي الامبريالي، وهو ما يعيه (السيد نصر الله)، ولذلك فإنه شدد في خطابه على هذا المتكئ، الذي ارتقى بخطابه إلى مواقع القوة.