سلام مكي
عن مكتبة القانون المقارن في بغداد، صدر العدد الرابع من مجلة ( مجموعة الأحكام القضائية) بجهد فردي متميز من قبل قاضي محكمة بداءة الحلة الاستاذ حيدر عودة كاظم. وبواقع 325 صفحة من القطع الكبير. ويأتي استمرار صدور المجلة، تعبيرا عن الاعتراف بأهمية نشر المبادئ التمييزية التي تصدر عن محكمة التمييز الاتحادية ومحاكم الاستئناف بصفتها التمييزية، لما لها من دور محوري في إطلاع الجمهور والمختصين على آليات تطبيق القانون، وتوجهات محكمة التمييز، وما تؤسسه من مبادئ وأحكام كاشفة للنص القانوني، حيث إن أحكام محكمة التمييز، تمنح النص روحا جديدة، وتلبسه ثوبا نسج عن طريق تلمس الحكم الذي صاغه النص القانوني. ولاشك أن كشف توجهات محكمة التمييز الاتحادية، والرؤى التي تتبناها في الفصل في الطعون المقدمة لها، هو إجراء ضروري ولابد منه، بغية تسهيل إجراءات التقاضي مستقبلا، وإعلام الناس بكيفية تحصيل حقوقهم، بعد ان يعرفوا طريقه. ما يميز مجلة الأحكام القضائية، هو نوع القرارات التي تنشرها، وما تحتويه من مبادئ تمييزية، تشير الى دقة الانتقاء والتأكيد على عدم نشر القرارات التي لا تضيف شيئا للمتلقي. المجلة تضمنت أحكاما في مختلف فروع القانون، في المدني والجزائي.. تطبيقات مهمة يشعر القارئ أنها كانت حصيلة الاطلاع على كم كبير من القرارات، ومن مختلف المحاكم العراقية، مما يشير الى حرص القاضي عودة على أن تغطي المجلة، أوسع مساحة من القرارات وفي مختلف المحاكم. إن كل قرار منشور في المجلة، يحتاج الى دراسة وقراءة، وذلك للخروج بحصيلة قانونية يمكنها ان تؤسس لثقافة قانونية رصينة، تهم المتلقي سواء كان مختصا او غير مختص. لكن ثمة قرار صادر من هيأة الاحوال الشخصية صادر بتاريخ 15/3/2018 رقمه 1046/ 2018، نرى أنه قرار في غاية الأهمية، يؤسس لمجموعة من المبادئ القانونية، سواء في القضاء المدني المتمثل بالأحوال الشخصية أو الجزائية.. مبدأ القرار هو: إذا كان الضرر الذي تستند عليه المدعية في طلب التفريق تمثل بالضرب المؤدي إلى أذى وتورم في منطقة الوجه والرأس وتم الحكم على المدعى عليه بالحبس البسيط لمدة أربعة أشهر فإن هذا الضرر قد تجاوز حق تأديب الزوج لزوجته ويعد جسيما واحدث شرخا في الحياة الزوجية يتعذر استمرارها ويستوجب التفريق.. نلاحظ أن ثمة مجموعة من المبادئ والأسس المهمة في هذا القرار، حيث ان وضع شروط للحكم بالتفريق استنادا لسبب الضرر، إذ أن ضرب الزوج لزوجته يعد فعلا مخالفا للقانون، ولكن وحده ليس كافيا ليكون سببا للتفريق، إذ لابد من الزوجة أن تشكو زوجها أمام محكمة التحقيق مع إبراز التقارير الطبية التي تؤكد وقوع حادثة الضرب، وإلا فإن استنادها على واقعة الضرب دون الاقتران بطلب الشكوى، قد تعتبره المحكمة تنازلا منها عن حقها. حيث إن القضاء، شجع الزوجة التي تعرضت للعنف من زوجها لتبادر إلى استحصال حقها عن طريق اللجوء الى القضاء وعدم الصمت على تجاوزاته. من جانب آخر، قطع هذا القرار أية محاولة من الزوج للتحجج بأنه يمارس حقه القانوني في تأديب زوجته، حيث الضرب المفضي إلى إحداث آثار جسدية وأذى لا يدخل في خانة ذلك الحق. وهذا القرار بمثابة ردع وزجر لكل زوج يتجاوز الحدود القانونية مع زوجته، إذ أن مصير علاقته الزوجية هو التفريق، في حال قام بضرب زوجته و الاعتداء عليها.. إن نشر مثل هكذا قرارات، يساعد على تبصير الزوج والزوجة معا، من خلال إعلامهم عن حقوقهم وواجباتهم، وجرس إنذار لكل زوج يضرب زوجته، بداعي التأديب..