عبدالزهرة زكي
تبرّعت قبل أيام لفعالية تحثّ على القراءة بعدد غير قليل من الكتب التي كنت أحتفظ بها.
لست من هواة جمع الكتب. الكتاب الذي تنتفي حاجتي له لا أجد داعياً لبقائه رهن الحبس في مكتبة. دائما هناك مَن يمكن أن يحتاج إلى كتاب لا حاجة لك به، والاحتفاظ به تعبير عن نزعة استحواذية لا أجد لها تبريراً.
هذه هي المرة الثالثة أو الرابعة التي أتخلى فيها عن كتب قديمة لا أحتاج إليها.
لكني من جيل ثقافي نشأ وقد أخذ بعضُه عن جيل سبقه (حكمةً) تفيد أن (مَن يعير كتاباً أحمق، وأشد حمقاً منه من يعيده). كثير منا زهد بهذه (الحكمة) التي جعلت من السرقة امتيازاً. كنت من بين هؤلاء الزاهدين، وكانت (الحكمة) نتاجاً لظرفها حيث كانت الكتب نادرة وكان الحصول على الثمين منها يقرب من حال الحصول على كنز.
لم أسرق يوماً كتاباً، لم أستعر كتابا وأتعمد عدم إعادته. لكن كان في مكتبتي كتاب واحد عن الشعر الانكليزي خلال القرن العشرين، باللغة الانكليزية، كنتُ قد استعرته أواخر السبعينيات من مكتبة المركز الثقافي البريطاني في بغداد، وحالت ظروف دون إعادته بوقته، مما أبقاه في مكتبتي خصوصا أن المركز أغلق بعد حين.
تذكّرت الكتاب مؤخراً، وكنت قد أهديته ضمن مجموعة كتب أخرى في إحدى المرات برغم أنه يشكّل حاجة لشخص مثلي. كان الكتاب يحمل ختم المركز في أكثر من صفحة فيه، وكان هذا ما يجعل من أي مرة أفتحه فيها كابوساً مزعجاً حتى تخلصت منه بإهدائه.
كانت مناسبة تذكري الكتاب ما قرأته في صحيفة غارديان البريطانية على موقعها الإلكتروني. فقد نشرت تقريراً الأسبوع الماضي عن كتاب تمت إعادته إلى مكتبة جامعة رويال هولوي بعد 43 عاماً على استعارته.
الكتاب المعاد بعنوان (البستان الذهبي)، كان قد نُشر عام 1655، متضمناً صلوات ضد الشهوة والتكبّر و”ضعف الأداء الجيد” وواحدة كانت من أجل الموت المقدس والسعيد.
وقالت المكتبة ، حسب التقرير، إن الغرامة التأخيرية المقدّرة تقارب 6278 جنيهاً إسترلينياً. علماً أن الكتاب الذي أعيد أرفقت معه رسالة تتضمن معلومات وافية لمعرفة المستعير، وتحفظت المكتبة على ذكره لتحفيز الطلبة على إعادة الكتب المتأخرة لديهم.
كان هذا موقفاً يعبّر عن قيمة أخلاقية بقي الكتاب معها مصدر قلق له حتى استراح منه بإعادته والتخلص من عقدة الذنب.
(غارديان) استعادت بتقريرها قصصاً مماثلة جرى بموجب إحداها في نيسان العام الماضي إعادة كتاب مغامرات من قبل رجل إلى مكتبة شتلاند بعد استعارته لأكثر من 40 عاماً، وفي عام 2016 أعادت امرأة كتاباً إلى مكتبة نيوزيلندية بعد 67 عاماً، فيما استعار الرئيس الأمريكي جورج واشنطن كتاباً عن العلاقات الدولية في عام 1789، وتمت إعادته إلى مكتبة في نيويورك إنما في عام 2010.