عبدالزهرة محمد الهنداوي
قبل عام من الان اطلق البنك المركزي العراقي ستراتيجيته الوطنية للشمول المالي في العراق ، وشهدت اروقة أوساط المال والأعمال في حينها جدلا واسعا، وتكهنات مختلفة ، لعل اغلبها كان يجدّف باتجاه عدم إمكانية تحقيق أهداف هذه الستراتيجية، لدرجة ان البعض عدها “احلام عصافير”،مستندا في ذلك الى معطيات الواقع العراقي الذي يشهد الكثير من المشاكل
والتناقضات.
واحدة من ابرز تلك التحديات، هي غياب أو انعدام الثقة بين المواطن والمصرف، نتيجة لظروف وسياسات معينة، ما تسبب في وجود حالة عامة من الانحسار المالي ، تمثلت بعزوف المواطنين عن التعامل مع المصارف، لدرجة ان ظاهرة “الاكتناز البيتي” أصبحت هي السائدة ، الأمر الذي ادى الى إيقاف الدورة المالية والاقتصادية لكتلة نقدية هائلة، قُدرّت نسبتها بنحو ٧٧ بالمئة من حجم العملة المتداولة، كانت خارج أسوار الجهاز المصرفي، مُكتنزة في البيوت، مع حجم المخاطر التي تهدد ضياع هذه الأموال، وبالتالي تسبب خسائر جسيمة للاقتصاد
والتنمية .
ومن الطبيعي ان مثل هذه المؤشرات من شأنها ان ترسم مشهدا متشائما للقطاع المالي في العراق
، وبالتالي فانها تمثل فرصة للمتشائمين في إطلاق تكهناتهم باستحالة أو على الأقل صعوبة المضي في تحقيق أهداف استراتيجية الشمول المالي ، التي تهدف الى اتاحة الخدمات المصرفية والمالية لشرائح المجتمع المختلفة، وصولا لتحقيق جانب من أهداف التنمية المستدامة ، السبعة عشر التي اقرتها الامم
المتحدة.
سار العراق في ركب المجتمع الدولي لتحقيق تلك الأهداف، وفي المقابل كان المتفائلون يطلقون لأحلامهم العنان، مؤكدين ان المشهد سيتغير، وان الثقة ستعود، وسنتخلص من ظاهرة اكتناز الاموال البيتي، ليأتي بها أصحابها لإيداعها في
المصارف.
وبين فريقي التشاؤم والتفاؤل، مضى البنك المركزي في العمل على تطبيق تلك الستراتيجية ،بالتعاون مع المصارف الحكومية، ومصارف القطاع الخاص، وهذه الأخيرة، ربما تدخل لأول مرة في حلبة التنافس مع المصارف الحكومية ، وكان من نتاج هذا التنافس ،في إطار تطبيق ستراتيجية الشمول المالي، مشروع توطين رواتب موظفي الدولة ، وقد كان لمصارف القطاع الخاص مساحة جيدة في مشروع التوطين هذا، لدرجة ان بعضها تفوق في عدد الموطنين، على نظيرتها الحكومية، نتيجة الامتيازات وسهولة الإجراءات التي تقدمها لزبائنها، وواضح جدا، ان ثمة تغييرا إيجابيا قد حصل في المشهد المالي والنقدي العراقي، بعد إطلاق استراتيجية البنك المركزي، ومن مؤشرات هذا التغيير الإيجابي ، هو ارتفاع نسبة المتعاملين مع القطاع المصرفي الى ٢٣ بالمئة في نهاية عام ٢٠١٨ بعد كانت النسبة ١١ بالمئة عام ٢٠١٤ ، “ كما أعلنت رابطة المصارف العراقية الخاصة في تقرير لها صدر مؤخرا” .
وعندما نتحدث عن نسبة زيادة تصل الى اكثر من ٥٠ بالمئة في عدد المتعاملين مع المصارف ، فان هذا يعد مؤشرا مهما ، يؤكد ان علامات التحسن مستمرة في الظهور ، وان رقعة الشمول المالي في اتساع دائم ، من دون ان نغفل القول، ان نسبة الـ (٢٣ بالمئة) ،ليست كبيرة في وقت وصلت نسبة الذين يمتلكون حسابات مصرفية حول العالم الى اكثر من ٧٠ بالمئة من السكان البالغين ، ولكن ، لايمكن باي حال من الأحوال ان نقارن حالنا ، بحال دول اخرى سبقتنا في هذا المضمار ، فيما واجه العراق ظروفا لم تكن سهلة تسببت بتراجع الكثير من القطاعات التنموية ، ومنها قطاع
المصارف .
خلاصة القول ، ان ما نستطيع تشخيصه الان، ان ثمة تحسنا في نوع العلاقة بين المواطن والقطاع المصرفي، وهذا من شأنه ان يعزز سياسة الانفتاح التجاري، عبر استثمار الكتلة النقدية، التي كانت مغيبة نتيجة غياب الثقة.
ولا شك ان عودة هذه الثقة ولوعلى خطوات قد تبدو بطيئة ، لكنها ستؤسس لفتح افاق وجسور مهمة لاتساع رقعة الشمول المالي، واعتقد اننا قريبون من مشاهدة الصرّافات الآلية الصغيرة
، وقد انتشرت في كل مكان ، لدى بائع الخضرة ، وفي فرن الصمون وعند الحلاق ، وقطعا ان شيوع وانتشار هذا المشهد يحتاج الى جهود كبيرة من قبل المعنيين جميعا، وصولا لتحقيق الشمول المالي الشامل، في إطار سعينا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، اذ يُعد القطاع المصرفي احد اهم
مساراتها .