دور منصَّات التواصل الاجتماعي في تهديد السِّلْمِ المجتمعي

ريبورتاج 2023/11/22
...

 بدور العامري

لم يعد الأمر يتطلب أكثر من وجود هاتف محمول وفكرة خبيثة وعدد من المأجورين، لنشر تغريدة أو موضوع في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي في فضاء مفتوح لا حدود له، بهدف بث التفرقة وإثارة النعرات الطائفيّة ونشر خطاب الكراهية بين أفراد المجتمع، الأمر الذي يتطلب من الجهات ذات العلاقة إيجاد آليّات وحلول تتوافق مع حجم هذا الخطر الذي يهدد السلم المجتمعي واستقراره.


أجندات

الخبير القانوني الدكتور حميد طارش، يقول: إنّ "لوسائل التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في صناعة الرأي العام وبحث مشكلات المجتمع، لكن لأسباب تتعلق باختلاف درجة الوعي المجتمعي، وأخرى خاصة ببعض الأجندات التي تستهدف السلْم المجتمعي، اذ تعمل على تجنيد جيوش الكترونية مهمتها بثّ النعرات الطائفيّة ونشر الكراهية بين افراد المجتمع، مما يتطلب مواجهة ذلك بعدة وسائل منها التشريعات الفعّالة التي تحترم قواعد حرية التواصل الاجتماعي وفرض عقوبات على منتهكيها، حيث نجد الكثير من استغل هذا الفضاء المفتوح وراح يبث الكراهية والنعرات الطائفيّة، والتي هي أساساً ليست من حرية الرأي والتعبير وانما تعد جريمة يستحق مرتكبها العقاب المناسب، وينصح طارش في استثمار هذا الفضاء، كوسيلة لمواجهة الدور السلبي لتلك التطبيقات، عن طريق إنشاء منصّات رصينة للتواصل الاجتماعي الإيجابي واحترام الرأي الآخر ونبذ الكراهية".


منصَّات رصينة

ويتوافق رأي الناشط المدني الشاب علي الزبيدي مع رأي الدكتور حميد، في أنَّ سيادة المنصات الرصينة ذات المحتوى الواعي أحد الأمور المطلوبة في الوقت الحالي لمواجهة مدِّ الصفحات الوهميّة وغير المهنيّة ذات الأجندات المشبوهة، إذ ليس من الضروري أن تتفق كل الآراء حول موضوع معين، لأن الاختلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية، وأضاف الزبيدي، إلّا أنّ ما نراه على بعض منصات مواقع التواصل هو عملية إقصاء والتجاوز على حقوق الآخرين، مثال ذلك استهداف بعض المكونات على أساس عرقي أو طائفي أو ديني أو حتى مكاني، ويرى الزبيدي أن هذه الممارسات أخذت تظهر بصورة كبيرة خلال الآونة الأخيرة بعد أن كانت شبه معدومة في المجتمع العراقي، ويعتقد الزبيدي أنَّ هناك عوامل تضافرت وساعدت في وجود هكذا ظاهر منها ما يتعلق بتدني الوعي الثقافي لدى أغلب مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، فضلا عن الجهل بحيثيات وأغراض هذه المنصّات واستثمارها بالشكل الإيجابي، فضلاً عن غياب الرادع الأخلاقي والديني ومن ثم القانوني .


معالجات قانونيَّة

وبحسب القاضي ناصر عمر، فإنَّ "هناك حاجة ملحة وضرورية لتشريع قانون خاص بالجرائم الالكترونية، لأنَّ القوانين الحالية لا تحتوي على نص محدد وشامل يعالج تلك الجرائم"، وتابع عمر، أن "مشروع قانون الجرائم المعلوماتية (الالكترونية) قد طرح في مجلس النواب، الا أنه لم يشرع بسبب مواجهته لعدد من الاعتراضات، مثل اشكاليته مع قانون حرية الرأي مما جعل التطبيقات القضائيّة التي ترد على الجرائم الالكترونية يتناولها أكثر من نص قانوني، الامر الذي يتطلب وجود مواءمة بين القوانين النافذة والواقع الحالي عن طريق تشريع قوانين متحرّكة تتناسب مع الأحداث والوقائع الحالية، خاصة بعد الانفتاح على العالم وصعوبة السيطرة على الجرائم عبر الفضاء المفتوح، وأوضح عمران أنَّ قانون العقوبات العراقي في المادة 195 قد جرّم إثارة النعرات الطائفيّة وتهديد السلْم الأهلي بصورة عموميّة واجماليّة من دون الدخول في تفاصيلها، ثم جاء قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005 ليشدد على تلك العقوبات بعد أن أعطي تعريف للإرهاب والجرائم التي تدخل ضمن طائلته، مثل تجريم كل فعل يمس الأمن والوحدة الوطنية ومن بينها إثارة النعرات الطائفيَّة.

برامج ساندة

تقع على عاتق منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينيّة والتربويّة والمجتمعيّة الأخرى مسؤولية الحفاظ على السلْم الأهلي بالتنسيق مع المؤسسات الأمنيّة المختصة، إذ يقول مدير قسم التسجيل في دائرة المنظمات غير الحكومية الدكتور أركان كيلان، إنَّ هناك مؤسسات ومنظمات مجتمع مدني خاصة بالسلْم الأهلي وتعمل كجهات ساندة للجهود الحكومية في مجال حفظ الأمن واستقرار المجتمع، إذ تبنّت عدة برامج ومبادرات في هذا المجال، ومنها برنامج (بناء السلام وإعادة الاعمار لتحقيق الاستقرار المجتمعي)، وهو مشروع ممول من مستشارية رئاسة الوزارة (لجنة المصالحة الوطنية) بالتعاون مع عدد من الدول والمنظمات الدوليّة والمحليّة، إذ يهدف إلى إعادة تأهيل ضحايا داعش ومعالجة موضوع المقاتلين الأجانب وأسرهم، وتابع كيلاني: "كذلك يعد مشروع (تفنيد) أحد البرامج التي اهتمت بتفكيك الشبهات الدينيّة وإلقاء الضوء على أدوات توظيفها في تقويض وهدم المجتمعات، حيث كان من المخطط له أن يتم التعاون مع الوقف السُّني وهيئة الإفتاء وعدد من منظمات المجتمع المدني والعشائر.

ويُبيِّنُ الدكتور أركان أنَّ "الإرهاب يجد له تبريراً بالأفكار الدينيّة الإسلاميّة والآراء الشرعيّة الفقهيّة، كما أنّه يستند إلى أعمال يزعمون أنّها تمت في عهد النبي محمد (ص) وبموافقته وتحريضه ومن ثمّ تعد سُنة يتعيّن اتّباعها وينبغي انتهاجها كجزءٍ من صميم الايمان، وهذا ما يحدث عندما تترك النصوص الدينيّة للتفسيرات المغلوطة مما يجعلها في حالة أزمة مع الواقع، لذلك يتطلب الأمر أن تكون المؤسسات الدينيّة أكثر فاعليّة، عن طريق ضخ التفسيرات المعتدلة الرافضة للكراهية والعنف بشفافية ومصداقية تدفع الأفراد إلى تقبّلها من دون تردد.