العنف يستهدف الرياضيّات الكينيَّات

بانوراما 2023/11/22
...

 فيث كريمي

 ترجمة: بهاء سلمان

أطلق {مارتن تيروب} قبضتي يديه في الهواء بمجرّد فوز {فيث كيبيغون} بوسامها الذهبي الثالث لمسابقة العدو 1500 متر ضمن بطولة العالم لألعاب القوى، التي أقيمت مؤخرا في العاصمة الهنغارية بودابست. كانت تلك اللحظة حلوة ومرة بالنسبة لمارتن، لأن بات شاهدا تذكره كيبيغون على الدوام بشقيقتها المذبوحة، {اغنيس}.

مارست "اغنيس تيروب" رياضة العدو مع النجمة اللامعة خلال سنين الصبا، حينما كانت كلتاهما يافعتين غضتين تشقّان طريقهما عبر دوائر التنافس الكينية. يستذكر مارتن معلقا: "مشاهدة فيث تركض وتفوز هو بمثابة مشاهدتي لشقيقتي.. تمرّ عليّ مشاعر ممزوجة من الزهو والحزن.. أتمنى لو كانت اغنيس باقية هنا، لكانت معنا في بودابست أيضا، تتنافس وسط الميدان."

بدلا من ذلك، وفي يوم 13 تشرين الأول 2021، كان مارتن على موعد مع مشهد مروّع داخل منزل شقيقته الصغير الكائن وسط العاصمة الكينية نيروبي لركض المسافات الطويلة. 

كانت العداءة المشهورة عائدة لتوّها من سباق أقيم في سويسرا، لكن مارتن يقول بأنه لم يتمكّن من الوصول إليها لعدة أيام.

وبعد إبلاغه للشرطة، توجه نحو منزلها، محدّقا عبر النافذة ليرى جثتها غارقة بالدماء بالقرب من باب غرفة نومها. 

لقد تلقت طعنات على رقبتها، بينما كانت ترتدي ملابس التمرين المعتادة، وهو ما جعل مارتن يعتقد بأنها ربما كانت تستعد للخروج في جولة تدريبية حينما تم الاعتداء عليها.


خسارة لا تعوّض

في عالم نخبة العدائين، كانت اغنيس تمثل نجما صاعدا، فقد حطّمت الرقم القياسي بركضة العشرة كيلومترات للنساء في ألمانيا خلال أيلول 2021، عقب نحو شهر من تبوئها المركز الرابع ضمن مسابقة العدو لخمسة آلاف متر في أولمبياد طوكيو. 

عاشت هذه العدّاءة وتدرّبت في مدينة إيتن، حيث كان المعجبون يلوّحون لها بكل حماسة حينما كانت تقود سيارتها البيكب البيضاء من طراز تويوتا، بحسب مارتن.  وعندما علم الجيران بالحادث تجمعوا خارج المنزل باكين على البطلة التي لم يتجاوز عمرها 25 ربيعا، فقد صدمهم منظرها محمولة على نقالة.

بعد هذا الحادث بستة أشهر، وعلى بعد كيلومترين تقريبا من منزلها، تكررت المأساة مع عداءة أخرى، وجدت مخنوقة في أحد المنازل بواسطة وسادة غطت وجهها. إنها "داماريس موتيوا" التي كانت قد حلّت ثالثة ضمن سباق نصف ماراثون أقيم في انغولا قبل أيام من مقتلها، وحازت على الوسام البرونزي لألعاب سنغافورة الأولمبية للشباب لسنة 2010. 

وكشفت التحقيقات الاشتباه بزوج اغنيس. أما داماريس، فكان صديقها المقرّب مشتبها رئيسيا بالقضية. 

تعد بلدة إيتن البلدة الشاعرية ميدان التدريب الأفضل لعدائي المسافات الطويلة، لكنها تصدرّت عناوين الصحافة العالمية بسبب حادثتي القتل البشعة لهاتين الرياضيتين. وتسلّط حالة القتل الضوء على نوع من العنف لم يتم غالبا تسميته ولا معالجته. تقول "جوان تشيليمو"، عداءة المسافات الطويلة التي تتدرّب في إيتن: "نحن ندرك أن الرياضيات الإناث يعانين، وهن ملتزمات الصمت. هن بحاجة لتأكيد كونهن لسن منعزلات، ولديهن حقوق أيضا."


مدينة صناعة الأبطال

تقع بلدة إيتن على الحافة الغربية لكينيا، وتبعد ست ساعات عن العاصمة نيروبي. وهي خليط من مناظر خلابة لتربة حمراء وحقول الذرة ومنازل متناثرة عبر أرياف جبلية التضاريس. غير أن الارتفاع العالي للبلدة وهواءها النقي وبساطتها الريفية اجتذب عدائي المسافات الطويلة إليها لمارسة رياضة الجري منذ ستينيات القرن الماضي. وشهدت البلدة تدرب العديد من أصحاب الأرقام القياسية للمسافات الطويلة، وما زالوا كذلك في مخيّم يبعد عنها بمسافة ثلاثين ميلا. 

وبحسب العدائين المحليين، يهدف التدريب في إيتن للحصول على رعاية من إحدى العلامات التجارية، التي تقدم الرواتب ومكافآت الإنجاز، وأحيانا تغطية تكاليف السفر للإلتحاق بالسباقات الخارجية، وهي مصادر تسمح للعدائين بالمساهمة في المنافسات الدولية. 

ويحلم الرياضيون بالعودة إلى الوطن بمكاسب المنافسات التي بمقدورها تغيير حياة الأفراد بشكل كامل في هذا الجزء من العالم. على سبيل المثال، تبلغ قيمة الجائزة النقدية لصاحب المركز الأول لماراثون بوسطن 150 ألف دولار، بينما تم منح الفائزين الأوائل لماراثون نيويورك للعام الماضي مبلغ مئة ألف دولار. مقابل ذلك، يبلغ متوسط دخل الفرد السنوي في كينيا 2170 دولارات.

كل صباح تقريبا، كانت اغنيس وشقيقها يرتديان ملابسهما الرياضية ليلتحقا بالعدائين الآخرين. وكان نجاح العداءة الشابة قد بدأ يغيّر حظوظ العائلة. يقول مارتن: "لقد حققت اغنيس النجاح، وبدأت عائلتنا تخرج من حالة الفقر. والداي أقاما في منزل من القش طوال حياتهما إلى أن اشترت لهما شقيقتي قطعة أرض لتشيد عليها بيتا من الطابوق.. لقد جلبت لنا الكثير من الأمل."

هذه الأيام، يركض مارتن مسافات طويلة بمسارات التدريب بمفرده؛ ويصف معاناته وغضبه جراء مقتل اغنيس بالقول: "أفتقد الركض معها. لقد سلب ذلك القاتل كل شيء من عائلتنا، ليس فقط شقيقتنا، وإنما حتى آمالنا واحلامنا.. أنا أريد أن يبقى القاتل حبيس السجن مدى الحياة."


وكالة سي ان ان الاخبارية