فجر محمد
معامل ومصانع تعمل النساء فيها على مدار اليوم بل يحملنها على أكتافهن، فمنهن من تشتغل 15 ساعة يومياً من دون كلل أو ملل ولكنها بالمقابل تأخذ أجوراً زهيدة لا تتلاءم مع ما تبذله من مجهود، فتيات يبلغن الرابعة والخامسة عشرة من أعمارهن يستقيظن مع ساعات الصباح الأولى، ويستقبلن خيوط الفجر وهن متوجهات إلى مكان عملهن، كثير منهن أجبرتهن صعوبات الحياة، وإعالة الأسرة على العمل في ظروف عصيبة، وبيئة لا تتناسب مع أعمارهن ولا قدرتهن الجسديَّة على تحمل الظروف القاسية للعمل.
وبحسب الناشطة في حقوق العمال كوريا الشيباني، فإنّ هناك نساء يعانين من بيئة عمل غير مناسبة ولا تتوفر لهن شروط السلامة المهنيَّة، خصوصاً اللواتي يعملن في معامل الطابوق (منطقة النهروان) وغيرها من بيئات العمل القاسية، وتنوّه الشيباني إلى ضرورة انضمام البلاد إلى اتفاقية 190 التي تسعى إلى القضاء على العنف والتحرّش في بيئة العمل.
مضيفة، أنَّ سلب حقوق المرأة وعدم تمتعها بحياة حرة كريمة هو بحدِّ ذاته عنف كبير يمارس ضدها.
وتضيف، المدافعة عن حقوق الإنسان الناشطة انتصار الميالي، أن هناك نساءً يفتقرن للرعاية الصحيَّة، إذ الكثير من مناطق المعامل تخلو من المراكز الصحيَّة التي يحتاجها الأفراد، خصوصاً النساء؛ ولهذا فإنَّ الجانب الصحي مهمل جدّاً في تلك المناطق، بالرغم من أن تلك الأماكن فيها نسب عالية من التلوث البيئي.
وتجدر الإشارة إلى أن منظمة العمل الدوليّة قامت عام 2019 باصدار اتفاقية رقم 190، وتنص في بنودها وتوجهاتها الاساسية على منع ظاهرة التمييز في العمل على أساس الجنس، فضلا عن منع مظاهر العنف تجاه العاملين وبالأخص العاملات، وهو أمر يكاد يلاحظ بشكل واضح في بيئات العمل المتعددة، ولهذا يقع على عاتق الدول المنظمة لهذا الاتفاق احترام بنود الاتفاقية وتنفيذها بشكل صحيح.
حياة عصيبة
لروز كريم قصّة أخرى طويلة مع العنف الأسري، إذ أصبحت تقضي أغلب وقتها وهي صامتة وترفض تبادل الحديث أو الحوار مع أي شخص، فبالرغم من وجود أكثر من صديقة حولها إلّا أنّها كانت تشعر بالحيرة والضياع، بل وتتجنّب أن تتحدث مع زميلاتها في الجامعة، لم تكن هذه طباع الشابة الجامعيّة روز بل كانت مفعمة بالحياة والحيوية وكانت تتمتع بحسِّ الفكاهة، غير أنَّ كلَّ شيء قد تغير بعد زواجها وإنجابها لطفلها الأول.
وتروي سهير ابراهيم صديقتها المقرّبة، كيف تحولت حياة تلك الفتاة المليئة بالطموح والإرادة إلى إنسانة أخرى فاقدة لشغف الحياة، وتقول سهير: "تحولت حياة روز بعد الزواج والانجاب إلى جحيم حقيقي، اذ لم يكن يفوّت زوجها أي مناسبة من دون أن يؤذيها جسدياً ونفسياً ولم تكن تشتكي حتى لأقرب إنسان لها، بل إنّها أخفت الحكاية عن والديها في محاولة منها لإصلاحه والحفاظ على حياتها، ولكن من دون جدوى".
عوز وحرمان
ترى المدافعة عن حقوق الإنسان انتصار الميالي أنّ العنف الذي يرتكب ضد النساء، لا علاقة له بالمستوى الثقافي أو الاجتماعي، اذ تتعرض المتعلّمة والأميّة أحيانا إلى الشكل ذاته من العنف كما أن هناك فتيات تحرم من إكمال التعليم، خصوصاً في ظل العوز الاقتصادي الذي يؤثر في الأسرة بشكل كبير.
وتوضح الميالي أنَّ هناك تحديات تواجه النساء، وعلى الرغم من وجود القوانين والتشريعات التي من المفترض أنّها تحمي المرأة، لكنّها تغيب عن الكثير من المعنّفات، فعلى سبيل المثال هناك غياب لدور حماية وإيواء تحفظ كرامة المعنّفات وتعيد تأهيلهن ودمجهن بالمجتمع.
ترى منظمة الأمم المتحدة أنَّ العنف ضد المرأة، هو من أكثر الانتهاكات حول العالم شيوعاً بل وتشير التقديرات إلى أنَّ هناك أكثر من 700 ألف امرأة حول العالم، تُعاني من هذه المشكلة الكبيرة وبحسب المنظمة فإنَّ هذه المشكلة تتفاقم يوماً بعد آخر، خصوصاً بعد انتهاء جائحة
كورونا.
ومن الجدير بالذكر أن إعلان القضاء على العنف ضد المرأة قد صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1993، إذ تمَّ تعريف مصطلح العنف بأنّه أي فعل عنيف تدفع اليه عصبيَّة الجنس ويترتب عنه أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانيَّة أو النفسيَّة، بما في ذلك التهديد أو القسر أو الحرمان التعسّفي من الحريَّة.
الاختيار الخاطئ
دفعت روز ثمن اختيارها الخاطئ لشريك الحياة، فبعد عودتها من خارج البلاد برفقة أسرتها تعرّفت الشابة الجامعيّة على زوجها، وتمت الخطبة والزواج بوقت قياسي جدّاً وفقاً لصديقتها سهير التي نصحتها كثيراً، أن تتريث بهذا القرار غير أنّها لم تصغِ لتلك النصائح وارتبطت بسرعة وعلى عجالة من أمرها.
في أحد الأيام جاءت روز بوجه متورم، حاولت إخفاء ملامحه بوضعها لمساحيق التجميل وارتدائها النظارات الشمسيَّة، غير أنَّ صديقاتها استطعن تمييز ملامح الضرب والتعنيف عليها لتنهار بعدها بالبكاء وإخبارهن بقصتها المؤلمة، وكيفية تعرّضها للضرب كل يوم ومن دون سبب.
تسعى منظمة الأمم المتحدة إلى تعبئة الجهود المجتمعيَّة، من أجل إيقاف العنف ضد النساء والتضامن مع المدافعين عن حقوقهن، ونشرت المنظمة من على موقعها الالكتروني مجموعة من الاحصائيات التي توضح حجم المشكلة، إذ بيّنت أنَّ هناك خمسة نساء على الأقل يقتلن في كل ساعة على يد أحد أفراد الأسرة، وتعيش ما يقرب من الـ 86 بالمئة من النساء والفتيات في بلدان لا توجد بها أنظمة حماية قانونيَّة من العنف القائم على النوع الاجتماعي.
في حين تحذّر الناشطة والحقوقيَّة والاكاديميَّة الدكتورة بشرى العبيدي، من قضايا العنف ضد النساء إذ تقول: "أحيانا يتناهى إلى الأسماع حالات انتحار لنساء شابات وممن هُنَّ في مقتبل أو أواسط العمر، وقد تكمن خطورة هذا الموضوع في أنّها ربما تكون جرائم قتل بغطاء الشرف أو الانتحار؛ لذا لا بدَّ من الانتباه إلى هذا الأمر جيداً".
في أيلول المنصرم أوضحت وزارة الداخلية أنَّ هناك تفاقماً في حالة العنف الأسري، إذ أشارت الاحصائيات إلى وجود ما يقرب من الـ 100 حالة في العاصمة بغداد وحدها، وأن أكثر الحالات المسجلة هي اعتداء الأزواج على زوجاتهم.
عنف اقتصادي
وفي تصريح مهم أدلى به الناطق باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي في العام المنصرم، بيَّنَ أنَّ نسبة العنف ضد النساء قد زادت إذ وصلت إلى 29 بالمئة في حين بلغ العنف الاقتصادي نسبة 22 بالمئة، يليه اللفظي بنسبة 13 بالمئة أيضاً.
موضحاً ارتفاع نسبة الأميَّة بين النساء أكثر من الرجال بشكل ملحوظ.
وبحسب الدراسات فإنَّ العنف الاقتصادي ضد النساء يؤدي إلى تهميش دورهن والحد من مشاركتهن في الاقتصاد وانتهاك حقوقهن العماليَّة، كما يأخذ هذا النوع من العنف أشكالاً عديدة منها منع النساء من الحصول على الموارد الاقتصاديَّة، وحرمانهن
من التصرّف الحر بها والمحافظة عليها.
يشار إلى أنَّ ظاهرة العنف ضد النساء من أكبر التحديات التي يواجهها البلد وتعاني المؤسسات المعنية من عدم معالجة هذه المشكلة أو إيجاد حلول كفيلة بتحييدها.