الناقد النقابي

ثقافة شعبية 2023/11/23
...

كاظم غيلان

ذات ظهيرة ستينية اخترقت شارع المدينة الرئيس تظاهرة عمّالية مؤيدة لمرشح الانتخابات العمالية واسمه (عباس)، لم يزل في ذهني صوتها المدوي الذي تغلفه صرخة عمال البناء:
-(ريس النقابه عباس.. ماكو زعيم إلا كريم).
بعد أقل من عام على الهتاف قتل الزعيم في صبيحة انقلاب اسود، واختفى (عباس)، ولم يعد لنقابته وجودا.
تذكرت تلك الحادثة وأنا أتفحص مشهدنا الثقافي، وما يتخلله من ضربات جزاء تجاه ساحة النقد.
قبل أكثر من عام كتبت عن ظاهرة الشاعر النقابي، وكنت أعني به الأديب النقابي، وبما أن النقد واحد من أركان أو مكونات الأدب، فلا بد من وجود ناقد نقابي، وهذا مولع بأسماء البعض من الأدباء، الذين لهم حظوة وتأثير في نقاباتهم، اتحاداتهم، روابطهم، ولعل البعض منهم صاحب قرار ان لم يكن مؤثرا في دائرة القرار كالايفاد، المنحة، الهدايا.... الخ.
هذا الناقد النقابي يكرّس جل اهتماماته التلميعية لصنوه الأديب النقابي شاعرا كان أو قاصا أ روائيا، بل حتى وإن كان مهوالا، فثمة ما يدفع القلم المأجور والرأس المسكون بكسب الرضا، لأن يجعل قلمه سيال الحبر في تدوين شهادات المديح التي ترفع من شأن صاحبها.
لكن ذلك كله لم يكن سوى موسم فقط لاغير، فما أن تنتهي الدورة الانتخابيَّة، ويصبح الممدوح خارج دائرة القرار أو (خارج نطاق التغطية) على حد تلك الإشارة، التي تردنا في أجهزتنا النقّالة، حتى لم يعد له ذكر كما حصل لرئيس النقابة (عباس) رحمه الله.
في السائد النقدي اليوم اتهامات، معظمها مؤكدة، لعل المرامي النفعية التكسبية الضيقة من أبرزها، وبين مدة وأخرى تثار فضيحة كتابة هنا وأخرى هناك مدفوعة الثمن، ويمكن لنا تسمية هكذا طراز من المحسوبين على النقد بـ (النقدجيه) كاشتقاق واضح على مستوى اللغة والفعل معا.
ما أن تناط صلاحيات لاديب نقابي جاءت به أصوات عدد كبير من الناخبين، الذين يمنحون أصواتهم حياءً ومجاملة نابعة من مصادر بعيدة عن الإبداع كموائد ليلية يتسيدها النفاق الثقافي وتتخللها (كهكهة غمان) على حد وصف الراحل(عريان السيد خلف)، حتى يسارع النقاد النقابيون لرفع مقامه وامتداح فتوحاته الوهمية ومدى تأثيره في الحقل الأدبي، الذي يشغله أو المحسوب عليه قسرا.
في وسط كهذا لا يمكن أن أصدق بكتابة تنال من الشاعر هذا أو القاص ذاك، فبعض من يمارسها سرعان ما ينقلب بعد أن يضيء نجم أحدهما.  هكذا كتابات غدت مفضوحة، بالرغم كل ما يقدم لها من تسهيلات إعلامية ودعوات مهرجانيَّة، والتي هي ليست بمستحقات إبداعية بقدر كونها تبادل منافع أو مستحقات
خدمة.
هذا الأمر وصل مراحله الأخطر اليوم في شراء ذمم البعض ممن يتعهدون بكتابة رسائل دراسات عليا لتجارب هامشية، لم يحسب لها ايما حساب، لكنه الخراب الذي يؤسسه الفساد المستشري في كل مفاصل حياتنا العراقية والذي لم تكن الثقافة بمعزل عنه، بل راحت تتدافع لكي تحتل موقع الصدارة.