كيف تحكمُ السمومُ عالمَنا؟

علوم وتكنلوجيا 2023/11/27
...

 هارون تريمبر
 ترجمة: بهاء سلمان

بعد وفاة والده غير المتوقعة بسبب اضطراب تعاطي الكحول في العام 2017، قام عالم الأحياء التطوّري نوح وايتمان برحلةٍ لفهم كيفيَّة تأثير سموم الطبيعة في العالم. والنتيجة التي خرج بها هي كتابه الأول على الإطلاق، الذي حمل العنوان التالي: "أشهى السموم: قصة سموم الطبيعة: من التوابل إلى الرذائل".

قراءة مستفيضة
يتنقّل الكتاب عبر الكيمياء والتطوّر وتاريخ العالم لاستكشاف أصول السموم وكيف اختارها البشر في كل شيء، من الأدوية إلى التوابل إلى المبيدات الحشريَّة. يقول وايتمان في كتابه: "إنَّ المواد الكيميائيَّة الموجودة في هذه المنتجات الطبيعيَّة لا تمثل عرضاً جانبياً، بل هي الحدث الرئيس، وقد سرقناها عن غير قصدٍ من حربٍ تدور رحاها في كل مكان حولنا".
هذا الصراع، وهو جزءٌ مما أسماه تشارلز داروين "حرب الطبيعة"، يمثّلُ في الواقع الطرقَ المبتكرة التي تطوّر من خلالها النباتات والحيوانات باستمرارٍ سمات تتفوّق بها على الحيوانات المفترسة أو المنافسين. ويشير وايتمان إلى أنَّ العديد من المواد الكيميائيَّة التي نخزّنها في خزائننا وصيدلياتنا، على سبيل المثال، نشأت في النباتات كوسيلة رادعة ضد الحشرات التي تتغذى عليها. تعملُ هذه المواد الكيميائيَّة على أدمغتنا وأجسادنا بسبب التشابه العصبي المذهل بين الحشرات والبشر.
ويعدُّ ايتمان، الذي يدرس كيفيَّة تكيّف الحشرات مع السموم النباتيَّة، بمثابة مرشدٍ سياحي حسن الاطّلاع لمثل هذه السموم والعلاجات الناتجة عن تأثير الغازات الدفيئة المنبعثة من النباتات. الأمر بالفعل يعودُ لتأثير الغازات الدفيئة، فعلى الرغم من أنَّ الناس يستخدمون بعض السموم الحيوانيَّة، إلا أنَّ المشتقات النباتيَّة هي من يقومُ بالدور الأهم في مجمل العمليَّة.
تظهر أزهار الأقحوان مع مركبها المبيد للحشرات، البيريثرين، في الكتاب، كما هي الحال مع أشجار الصنوبر التي تفوحُ منها رائحة التربينويد، والبابونج المهدئ وزنابق الماء الشبيهة بالمورفين. لترويض تشابك المواد الكيميائيَّة وتفاعلاتها، يخصصُ وايتمان كلَّ فصلٍ لفئتين من السموم ويوضح مصدرها في العالم الطبيعي، وآلياتها الكيميائيَّة والسياق التاريخي لاستخدامها من قبل البشر.

شرحٌ مفصّل
لنأخذ التانينات Tannins (وهي مركبات عديدة الفينولات خالية من النيتروجين، وتسمى الأعفاص أيضاً/ المترجم) وهي تظهر في مجموعة واسعة من النباتات، بما في ذلك أشجار البلوط ونباتات الشاي والعنب. يستغرق وايتمان بتأملٍ هذه المركبات الكيميائيَّة، ويعتقد أنَّها قد تحمي النباتات عن طريق تثبيط قدرة الميكروبات والحيوانات العاشبة على امتصاص العناصر الغذائية. وترتبط التانينات أيضا بالبروتينات اللعابية، مما يؤدي إلى "الإحساس الخشن والجاف بالتجعّد" الذي يستمتع به الكثير من الناس أثناء احتساء كوب من كابيرنت ساوفيجنون، أحد أشهر أنواع النبيذ المستخلص من العنب الأحمر. لقد استخدم البشر أيضاً منذ فترة طويلة خصائص ربط البروتين للتانينات لاستخدامها في دباغة جلود الحيوانات من أجل الحصول على الجلود. وعلى مدار ما يقرب من 1500 عام، اعتمدت أوروبا ومن ثم مستعمراتها على الحبر المصنوع من صمغ البلوط الغني بالتانين لصياغة الوثائق المهمة، بما في ذلك ال"ماجنا كارتا" و"إعلان الاستقلال".
ربما يمكن العثور على الدور الأكثر أهميَّة للسموم في عالم الإنسان في مخازن المؤن وخزانات الأدوية، حيث يركّز وايتمان في جانب من عمله على المستحضرات الدوائية ذات الوزن الثقيل، مثل عقار الكينين المضاد للملاريا، المشتق من لحاء شجرة الكينا، والساليسيلات، مثل الأسبرين وزيت وينترغرين. يوضح الكورار والكوكايين والسكوبولامين كيف قمنا بتحويل هذه المركبات شبه القلوية إلى مواد مخدرة. إنها واحدة من العديد من الحالات التي يشير فيها وايتمان إلى مجتمعات السكان الأصليين حول العالم التي تم استغلالها بشكل متكرر، أو لم يتم تعويضها عن اكتشافاتها الطبية.

تنظيم انتقال الطعام
ويشير وايتمان إلى أنه "ليس من المستغرب أنَّ العديد من البلدان في أميركا اللاتينية وأماكن أخرى في المناطق الاستوائيَّة العالميَّة لديها الآن قوانين خاصة بالقرصنة البيولوجيَّة تنظم بشكلٍ صارمٍ تصدير المنتجات الطبيعيَّة". ويختتم وايتمان كتابه بدراسة كيف أنَّ شهوة أوروبا للتوابل في العصور الوسطى دفعت العالم إلى خمسة قرون من الاضطرابات الجيوسياسيَّة، من التبادل الكولومبي ( وهو التبادل على نطاق واسع للنباتات والحيوانات والثقافة والأشخاص والتكنولوجيا والأمراض والأفكار بين الأميركيتين وغرب أفريقيا والعالم القديم في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلادي – ويكيبيديا/ المترجم) وحروب الأفيون، وتأسيس شركة الهند الشرقية، كانت كلها محطات على طوال استكشاف وايتمان لكيفيَّة قيام السعي وراء كل الأشياء ذات التأثير النفسي والطبي بتغذية الاستعمار الأوروبي. ويقول وايتمان إنَّ العواقب الدائمة تشمل انتهاك حقوق السكان الأصليين، وفقدان التنوّع البيولوجي العالمي، وأزمة المناخ.
كما يظهر جلياً وباء المواد الأفيونية واضطراب تعاطي الكحول بشكل كبير في الكتاب. هنا، يكون تأكيد وايتمان على أن استخدامنا للسموم "يسير على حد السكين بين الشفاء والأذى" هو الأعلى.

مجلة ساينس نيوز الأميركيَّة