ثقافة الاعتذار.. منطوق مدني لمجتمع حضاري

العراق 2019/05/14
...

قاسم موزان
في زيارة علاجية لاحد مستشفيات العاصمة استوقفتي قطعة فاكس بيضاء كتب عليها ( تقدم العشيرة الفلانية اعتذارها للدكتور الفلاني بسبب الاعتداء الذي تعرض له من قبل احد ابنائها) طبعا ولم تقل العشيرة: جاء الاعتداء بسبب جاهل متغطرس محسوب عليها، واحيطت الكلمات بمجموعة من الورود الملونة، من الجمال والمحبة ان تسود ثقافة الاعتذار في داخل البنية المجتمعية، لكنه اعتذار خجول، ويبقى التساؤل قائما ما الذي دفع ابن العشيرة الفذ الى ارتكاب فعل الاعتداء على شخصية طبية تقوم بواجبها بما يحتم عليها ضميرها الانساني في تخفيف معاناة المرضى من مشاكلهم الصحية المضطربة وفي معظم الاحيان يتحمل المريض نتائجها لاسباب لسنا بصددها؟ وهل يمتلك الطبيب مفاتيح الحياة والموت ويمنح عشبة الخلود لمن يشاء؟
طيلة السنوات الماضية التي اعقبت التغيير  لم يتوقف مسلسل الاعتداءات على الاطباء بدخول شباب  فوضوي منفعل الى صالات المستشفى ما يربك عملهم الذي يحتاج الى دقة وتشخيص دقيق  بأجواء صافية ونقية لااجواء مثقلة بالخوف من “الشقاوة المرافق “ الذي يشل تلاليف مخ الطبيب او يصادره  والالحاح بأنقاذ مريضه باية طريقة والا ستكون النتائج وخيمة على المسكين الذي لاحول له ! ..الخطأ الطبي متوقع في العالم وتحدده الجهات ذات العلاقة لكن لاتسمح بتشخيصه من جاهل لايفقه شيئا الا استعراض عضلاته امام طبيب اعزل الا من انسانيته وعلميته، والعلم لا تهزمه الرعونة والتباهي امام الاصحاب.
الذي حصل ومن المحتمل وقوعه بسبب تفشي القيم الشاذة التي سادت واقعنا المحزن عوضا عن قيم الشهامة والمروءة والانصاف، مرة  اخرى دعونا نتساءل منطقيا بعد تفريغ شحنات العاطفة المريرة بعد كبتها سنوات والنظر اليها من خلف زجاج شديد القتامة، هل تلك الافعال المريبة ضد الاطباء تشجع على التعين الجديد او البقاء في مستشفيات المدن التي تشهد نشاطا عشائريا دمويا ضحاياه اما من التقاتل البيني او الابرياء .. وكأنها وحدات طبية متقدمة للعلاج ومن ثم اعادته لجبهة القتال مرة اخرى او يدير المعركة  سريريا بواسطه جهازه الخلوي.
هل يعني هذا ان مستشفيات الانذار الدائم ستخلو عاجلا من الاطباء والمختصين؟ ولن يسد الفراغ الناجم من تلك البيئات لانها ليست حريصة على تعليم ابنائها العلم في المدارس والمعاهد والكليات لترميم الفراغات الحاصلة في الكوادر الطبيبة التي تعاني منها بسبب الجهل او التجهيل او التجاهل او الابقاء حالات تفريغ العقد النفسية للاشخاص المتاحين الذين يقعون تحت سطوته العنفية وسوف يتوارثها جيل بعد اخر وهي مهنة تعويضية عن مركبات نقصه ؟ وتتعرض كثيرا المستشفيات” للدكة العشائرية “
فضلا عن عمليات الاعتداءات المتكررة بحق الاطباء فأن الكثير منهم اضطرتهم ظروف الابتزاز والخطف والرحيل خارج البلاد قسراً، ما وضع حدا للسؤال العقيم لماذا هجرة الاطباء؟