الحداثة السياسية والمصالحة

العراق 2019/05/14
...

حسين رشيد
 يخلف التناحر والاحتراب الداخلي ان كان قوميا او طائفيا او مذهبيا جملة من الخسائر تتباين فداحتها حسب طبيعة ذلك الصراع والاحتراب وحدته ومدة ديمومته التي هي الاخرى تدخل فيها جملة اسباب، كما تخلف عدة دعوات تنطلق من مؤسسات ومنظمات وجهات سياسية ودينية تدعو الى المصالحة وترسيخ السلم الاهلي بين المكونات المتناحرة طائفيا او قوميا او عرقيا او حزبيا، التي ما تهدأ من الاحتراب حتى تدخل في صراع اخر قد يكون سياسيا لأجل الاستحواذ على السلطة او توسيعها واقتصاديا لأجل الاستحواذ على الحصة الاكبر من مشاريع الاعمار في البنى التحتية التي خلفها الاحتراب والتناحر دون الاخذ  بالجانب الاخر من الخسائر وخاصة البشرية.
لكن لماذا نتناحر ونتحارب ثم نعود ندعو للمصالحة والتسامح وترسيخ السلم الاهلي وضمان حقوق الاخرين، لماذا لانتعظ من تجارب سابقة ان كانت على مستوى الوطن او المنطقة او ما نعرفه من التاريخ الموثق بشكل صحيح وليس تلفيق الاكاذيب. حتما ثمة ما يقف خلف كل تناحر واحتراب اهلي، وفي الغالب اما ان يكون دينيا مذهبيا، او سياسيا قوميا، وكلا الامرين يمكن التعامل معهما من دون الدخول في النزاع او الاحتراب، الا أذا توفرت الارضية المناسبة والوقود والمال السياسي والفتوى الدينية التي قد تسهل الكثير، فضلا عن التطرف والارهاب الذي بات سمة العصر والعنصر الابرز في العقود الخمسة الاخيرة.
جل الدول والبلدان فيها تنوع مكوناتي بعضها شهد صراعات واحتراب داخلي، واخر حافظ بشكل ما على التماسك المجمتعي، وهنا تختلف التجارب حسب الوعي الشعبي وشكل نظام الحكم والمنظومة المجمتعية ومدى تقيدها وعملها بالقانون والدستور اللذين يضمنان حق كل مكون وعرف وملة، وقبل ذلك يضمنان حق المواطن كفرد من دون الارتكان لانتمائه الاخر، وفق ذلك تخلصت الكثير من تلك الدول والبلدان من اطلاق دعوات المصالحة والتسامح، واحتفظت بنسيج اجتماعي متنوع اثر في تقدمها وازهارها ونموها بشكل مضطرد، مثلما حافظت على ثرواتها البشرية والطبيعية والانتاجية، ورسخت مفاهيم المواطنة عند الاجيال المقبلة، بل ان تجارب العديد من الدول وخاصة الاوروبية رسخت شكل ونوع العلاقة بين سكان البلد الاصلين والمهاجرين من دول اخرى وبشكل خاصة العربية الاسلامية وهنا تكمن تجربة فريدة في رسم ملامح مصالحة حقيقية بعيدا عن مازق الحروب الاهلية والصراعات السياسية التي فر منها اغلب اولئك المهاجرين.
توجب المرحلة المقبلة من بناء الدولة العراقية الحديثة انتهاج الحداثة السياسية لمجتمع مدني يستند على الاندماج الوطني في منظمة الدولة المكفولة بالدستور والمساواة امام القانون الذي يكون الفيصل في حل اي اشكال او خلاف، وإذا ما طبق بشكل صحيح وحدث وفق المفاهيم المحدثة والمتطورة وتجارب الدولة المتقدمة سيكون مانعا لاي خلاف او اشكال وبذلك ندخر جهودنا في دعوات المصالحة والتسامح ونضعها في مكان اخر اكثر جدوى واهمية في بناء البلاد.