أحمد الفرطوسي
يعد التعليم العالي من أهم أركان تقدم الدول والمجتمعات، ذلك لأنه يخلق ملاكات بشريَّة تتعامل مع جميع مشكلات المجتمع، بروية أكاديميَّة تنويريَّة وفق منهجيَّة البحث العلمي، وغالباً ما تضع الحكومات شروط علمية قاسية في افتتاح مؤسسات التعليم العالي وهي الجامعات سواء كانت هذه الجامعات تنتمي إلى القطاع الخاص أو القطاع الحكومي، إذ تجعل في المرتبة الأولى الجانب العلمي. أما في العراق فقد شهد في المدة الأخيرة توسعا كبيرا في التعليم العالي الخاص مما أثار تساؤلات علميّة عند البعض، وهل هي تمتلك الجودة العلمية نفسها الموجودة في الجامعات الحكوميّة العراقيّة التي ملأت العالم برصانتها العلميّة.
غياب الرصانة
في البداية تحدث إلينا الصحفي عباس الزيدي، وهو حاصل على درجة الماستر في الإعلام، إذ قال لـ (الصباح) "نرى أن التعليم في بعض الجامعات الأهليَّة في العراق من وجهة نظري أصبح يشكل أزمة كبيرة، بسبب عدم استخدام المعايير الصحيحة للقبول وغياب الرصانة العلميَّة، حيث أن التعليم الأهلي أصبح عبارة عن تجارة رابحة على حساب المادة التعليميَّة والطالب، بحيث وصلوا بالتعليم إلى مرحلة متدنية من المستوى العلمي، إذ إن أغلب الكليات الأهلية تبحث عن الكمي وليس النوعي، فالمهم هو الربح وليس تعليم الطالب حسب المعايير العلمية العالميَّة".
منوهاً، أنَّ "أغلب الطلاب لديهم طموح للدراسة في الجامعة، لكن خطط التعليم العالي تكون عائقاً أمام قبولهم وتحقيق حلمهم الدراسي، فضلا عن محدوديَّة الاستيعاب في الأعداد في الجامعات الحكوميَّة خاصة في بعض الكليات التي لديها برامج استيعابيَّة لم تغيّرها من ثمانينيات القرن الماضي عندما كان تعداد العراق لا يتجاوز 10 ملايين نسمة، أما اليوم فتعداد الشعب العراقي أكثر من 43 مليون نسمة تقريباً".
طبقات
كاشفاً: "يجب على وزارة التعليم العالي، أن تضع شروط وضوابط قاسية تطبّقها على الجامعات الأهليَّة حتى ترفع من مستوى جودتها وان تحدد الأسعار في جميع الاختصاصات فلا يمكن ان تكون الاسعار مرتفعة جدا لا تراعي حالة الطالب الاقتصاديّة، فليس كل أولياء الأمور لديهم قدرة مادية عالية تسمح لهم ان يدخلوا أولادهم في الجامعات الأهليَّة".
في حين قال المرشد التربوي المتقاعد الأستاذ حامد مردان لـ (الصباح) "اصبحت بعض الجامعات الأهليَّة ونتيجة لغياب الرقابة من قبل الدولة وعدم تطبيق معايير التعليم العالي الصارمة، هذه الجامعات ترتبط بالجانب الطبقي وفق المفهوم الاقتصادي، إذ إن أغلب من يلتحقون بها هم من طبقة الاثرياء خاصة أولاد بعض المسؤولين في الدولة العراقية، وهذا واضح جداً في العاصمة بغداد، إذ إن الثراء الموجود في البلد انتج بعض الطبقات المترفة جداً، وأغلب الشباب الذين ينتمون إلى هذه الطبقة يكونون كسالا أو لا يبالون في حياتهم بشكل عام وعلى هذا الأساس لا يحصلون على معدلات عالية تؤهلهم للدخول إلى الجامعات الحكوميَّة".
نهضة الأمم
وبيَّنَ: "على هذا الاساس يضطر هؤلاء الطلبة للالتحاق بالجامعات الخاصة والتي تكون في أغلب الأحيان تكاليفها مرتفعة جدا لا تتناسب مع مدخولات اغلب الأسر العراقيّة، والذي يتجول في كراجات الجامعات الأهليَّة يجد هذه الظاهرة موجود، إذ إن أغلب المركبات الموجودة في الكراجات هي سيارات فارهة أسعارها بملايين الدولارات وهي تكشف مستوى الثراء والرفاهية التي ينتمي اليها هؤلاء الطلبة".
كاشفاً، أن في أغلب دول العالم المتقدم فيها جامعات خاصة واهم الجامعات في العالم هي جامعات خاصة مثل اكسفورد في المملكة المتحدة وهي من اقدم جامعات العالم ولها دور كبير في نهضة المملكة المتحدة، وانتجت الكثير من العلماء والباحثين في مختلف مجالات العلم والمعرفة ولكن هذه الجامعات تحت رقابة حكوماتها، وهي تخضع لمعايير شديدة في جانب القبول والبحث العلمي، وهي سر تميزها العلمي على مر التاريخ، فعلا الحكومة العراقية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة التخطيط تضع ضوابط صارمة في ما يتعلق بشروط فتح الجامعات الحكومية حتى تصل إلى رصانة الجامعات الحكومية خاصة اذ تعلق الامر بالاختصاصات الطبيَّة لأنَّ لها تماساً مباشراً بحياة الإنسان".
رؤية
منوهاً، أن "العراق بعد التغيير أصبح يعتمد على القطاع الخاص في جميع المفاصل إذ كان العراق في السابق ذا رؤية اشتراكية، وان الدولة هي التي تحكم كل شيء بما فيها قطاع التعليم العالي، أما اليوم فالحال تغيّر كثيراً فيجب على الدولة أن تسمح للقطاع الخاص أن يشارك في بناء الحياة العامة، ولكن بشروط قاسية وضوابط صارمة، وفي النهاية هذه الشروط والضوابط هي في النهاية تخدم هذه الجامعات وترفع من مستوى مخرجاتها في جميع الاختصاصات".
والمحطة الأخيرة كانت مع طالب المرحلة الاولى في كلية الطب علي خضير عباس، اذ قال: "أنا شخصيا أدرس الطب في إحدى الجامعات الخاصة كان حلمي في البداية أن أدرس في جامعة حكومية، ولكن الذي منعني من الالتحاق في كلية طب في الجامعات الحكومية هو طبيعة القرارات التي تصدرها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، كان معدلي في السادس الاعدادي هو 98 أما معدل القبول في كلية الطب عن طريق نظام الموازي هو (02، 98) هل يعقل أن يحرم طالب جد واجتهد في طوال حياته الدراسية في مرحلة المتوسطة والثانوية، أن يحرم من تحقيق حلمه ويتساوى مع الطالب غير المجتهد".
كاشفاً "أنا مؤمن بمقولة سمعتها من أحد الأساتذة الأفاضل هو ان الشهادة للجميع والعلم لمن يشاء حتى وإن كانت الجامعة أهليَّة والاختصاص مهم كاختصاص المجموعة الطبيَّة، فالطالب الذي لديه الرغبة أن يحصل على المعلومة العلميَّة، وان يكسب العلم يجهد نفسه في الجد والاجتهاد في أي جامعة سواء كانت اهلية ام حكومية وكثير من الجامعات الأهلية لها تجارب جيدة من الناحية العلمية".