ياسر المتولي
البطالة الواسعة بين الشباب ظاهرة مثيرة للجدل وتشغل حيزاً كبيراً من اهتمام المعنيين والمختصين لإيجاد الحلول الواقعيَّة لمعالجتها.
وبهدف وضع الحلول لابد من البحث في أسباب ومسبّبات استفحال هذه الظاهرة بهدف أن تكون الحلول والمعالجات فاعلة.
المشكلة تعمّقت بعد مرحلة التغيير أو الاحتلال سمِّه ما شئت فقد كانت ثقافة الاعتماد على الدولة في توفير الوظائف هي السائدة في ظلّ المنهج الشمولي المتبع حينذاك لكنها تعمقت بعد مرحلة التغيير بشكل كبير ولافت كيف؟
لأغراض المقارنة فقط كان القبول في الجامعات محدداً بمعدلات بين 65- 70 بالمئة في الدراسات الإنسانية أي الفرع الأدبي، بينما حدّدت المعدلات للقبول في التخصصات العلمية بـ75 بالمئة صعوداً في الفرع العلمي، وكان عدد الجامعات محدوداً عدا الجامعة المستنصرية التي كانت أهلية ولكن أمّمت في العام 1974، أما بقية المعدلات ما دون الـ65 فكانت محددة بالقبول في المعاهد الفنية والإنسانية للفرعين الأدبي والعلمي.
وكانت مخرجات الجامعات توزع بين الوظائف العامة وأقصد الحكومية وكانت نسبة الجامعات والمعاهد مقاسة على نسب السكان.
بعد مرحلة التغيير التي انتهجت النظام الحر (الرأسمالي) الذي كفله الدستور فقد أتيح العمل بنظام التعليم الأهلي الخاص وتوسع عدد الجامعات مع زيادة نسبة السكان كما فسح المجال لقبول كل المعدلات الدنيا وأقصد 50 بالمئة في الدراسات الجامعية فاتجهت الرغبات للحصول على شهادات جامعية فألغيت المعاهد الفنية لعدم جدواها بعد إهمال القطاعات الإنتاجية وهنا وقع الخطأ الفادح في عدم إدراك مسؤولية توفير فرص العمل للشباب لهذا الكم الكبير من الخريجين الذي لا يتناسب مع قدرة الدولة على توفير وظائف عامة (حكومية) فضلاً عن غياب القطاع الخاص خصوصاً ضمور الصناعة وتحول الصناعيين إلى تجار استيراد وبذلك يجني البلد نتائج سوء التخطيط للذي وقعت فيه الحكومات السابقة وباتت معضلة يعاني منها الاقتصاد العراقي.
إزاء هذا الواقع ما الحل؟
هنا تبرز أهمية ريادة الأعمال بهدف توفير فرص عمل للشباب العاطلين بمشاريع صغيرة ومتوسطة خاصة بهم للتخفيف عن كاهل الدولة من ضغط الحاجة للوظائف الحكومية.
هذا التوجه على ما يبدو انتبهت إليه حكومة السوداني ويعمل فريقه المساعد على تأمين متطلبات التشجيع على مشروع ريادة الأعمال ونحن والشباب العاطل تتجه أنظارنا ونتطلع إلى مشروع ريادة الهادف إلى تحقيق طموح الشباب في الحصول على فرص عمل تنقذهم من الفراغ القاتل.
بالمقابل فإنَّ مبادرة البنك المركزي بالسعي إلى استحداث بنك ريادة الأعمال ينتظرها مستقبل واعد على أن توفر لها الكفاءات القادرة على إنجاح التجربة.
وبذلك تأتي مبادرة بنك ريادة ومشروع ريادة كإنقاذ جاد لمعضلة البطالة وتسيران باتساق لذات الهدف.
وإذا كان ولابد من الاستفادة من التجارب العالمية فإنَّ القطاع الخاص أول من بادر في تدشين هذه التجربة من خلال تأسيس مشروع المحطة لغرض الإعداد لريادة العمل سواء بالتدريب أو عن طريق القروض التي قدمتها المصارف الخاصة لأعداد لا بأس بها من العاطلين لتأسيس مشروعات مختلفة عن طريق شركة تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تضم مجموعة من المصارف الخاصة، كما تم مؤخراً التوقيع على عقد شراكة مع إحدى الشركات العالمية المتخصصة بريادة الأعمال من قبل إحدى شركات القطاع الخاص العراقي الرائدة في هذا المجال.
وبذلك ستتمكن الدولة من التخفيف من الطلب على الوظائف العامة وتغيير ثقافة الاعتماد على الوظائف الحكومية والاتجاه صوب النشاط الخاص فالمطلوب دعم توجهات القطاع الخاص والاستفادة من تجربته بالتوازي مع بنك ريادة المؤمل الشروع به مطلع العام 2024 بدعم البنك المركزي وكذلك مسار مشروع ريادة الأعمال الذي تضطلع به الحكومة. وبذلك تستطيع الدولة تحقيق النجاح في تخطيط القوى البشرية وتوزيعها بشكل عادل وصحيح بين القطاعين العام والخاص.