مجازر عشوائيَّة.. تُفَعِّلُ انتشارَ عدوى الحُمَّى النزفيَّة

ريبورتاج 2023/12/04
...


 بشير خزعل
 تصوير: نهاد العزاوي

في بداية العام الحالي أعلنت وزارة الصحة العراقيّة أن إصابات الحمى النزفيّة في البلاد بلغت 95 حالة من بينها 13 وفاة، بعدما كان المرض وصل إلى أعلى مستويات انتشاره في العام 2022، وبالرغم من أن حدة الانتشار لهذا العام أخف حتى الآن من العام الماضي الذي سجلت فيه 212 إصابة بينها 27 حالة وفاة.
95 إصابة بينها 13 حالة وفاة في عامنا الحالي وغالبية الإصابات والوفيات هذا العام كانت في المناطق الريفيّة في محافظة ذي قار (28 إصابة و6 وفيات)، وهي مناطق ريفيّة فقيرة تربى فيها الأبقار والأغنام والماعز والجاموس، وجميعها حيوانات وسيطة ناقلة لهذا المرض.
مجازر عشوائيَّة
أغلب المناطق الشعبيّة قرب الأسواق وبعيداً عنها تكثر فيها مجازر عشوائيّة في الهواء الطلق، كما أنَّ باعة الأغنام (الجوبات) أصبح لديهم جزّارون خاصّون بهم يتواجدون على الأرصفة لذبح الأغنام التي تُباع، مشهد مألوف لدماء واحشاء المواشي وجلودها تتكوّم على أرصفة الشوارع وجزراتها الوسطيّة، وأصبحت بعض الساحات والارصفة مواقف خاصة لأصحاب (الجوبات) لا تستطيع حتى الأجهزة الرقابيّة إزاحتهم منها، في إحدى مناطق الشعب ببغداد يتواجد عشرات باعة الأغنام على الأرصفة والشوارع والجزرات الوسطيّة، حسن وادي (44 عاماً) بائع مواشي واغنام قال: أعمل في هذه المهنة منذ أكثر من 10 سنوات، حاولت الحصول على وظيفة حكوميّة ولم أستطع، فلجأت للعمل في هذه المهنة وهي تدرُّ عليَّ ربحاً لا بأس به، ولا أستطيع استئجار محل، ففي مهنتنا هذه لا يمكن لبائع أغنام أن يستأجر محلا لبيع الأغنام؛ لأن أعدادها كبيرة وهي ايضا تحتاج إلى فضاء واسع لتتحرك، ولذلك نحن نستغل الساحات والمناطق الفارغة لممارسة المهنة من أجل لقمة العيش.
عجز وغياب
رياض حنون 48 سنة يعمل (قصّاباً)، بَيَّنَ أنَّ ذبح الأغنام والمواشي في الساحات والأرصفة لا يوجد فيه ضرر على أحد، لأنّهم يقومون بتنظيف أماكن الذبح من الدماء ومخلّفات الحيوانات، ووجود باعة الاغنام والقصابين هو عمل يحوي آلاف العاطلين عن العمل ويسهّل مهمّة الناس في الحصول على اللحوم من مصادر طازجة وغير مغشوشة.
في حين أشار صاحب محل لبيع اللحوم في الجهة المقابلة من الشارع الذي يتواجد فيه باعة الأغنام، أن ذبح الأغنام والمواشي على الارصفة اصبح منظراً لا يُسرُّ المارّة بسبب انتشار مختلف الحشرات والقوارض التي تقتات على الدماء ومخلّفات الحيوانات التي تتكدّس بلا نظافة وغياب تام للأجهزة الرقابيّة التي لم تعد تستطيع أن تمنع مثل هذه الظواهر المضرّة بالصحة العامة.

أعراض
مؤشرات الحمى النزفيّة الفيروسيّة وأعراضها تختلف حسب المرض، فبحسب موقع "مايو كلينيك" الطبي، يمكن أن تشمل الأعراض المبكرة، الحُمّى والتعب أو الضعف أو الشعور العام بالتوعّك، والدوار وآلام العضلات أو العظام أو المفاصل، والغثيان والقيء والإسهال، أما الأعراض التي قد تصبح مهدّدة للحياة فتشمل نزيفاً تحت الجلد أو في الأعضاء الداخليّة أو من الفم أو العينين أو الأذنين، وخللاً وظيفيّاً في الجهاز العصبي، والغيبوبة والهذيان، والفشل الكلوي والتنفسي والكبدي.
وتنتشر الحمى النزفيّة الفيروسيّة عن طريق مخالطة الحيوانات أو الحشرات المصابة بالعدوى، علماً أنَّ الفيروسات التي تسبب الإصابة بالحمى النزفيّة الفيروسيّة، تعيش في العديد من العائلات الحيوانيّة والحشريّة، وتشمل في الغالب البعوض أو القرّاد أو القوارض أو الخفافيش.

مرض بلا لقاح
وبحسب منظمة الصحة العالميّة ووزارة الصحة العراقيّة فإنّ انتقال حمى القرم- الكونغو النزفيّة إلى البشر يحدث "إما عن طريق لدغات القرّاد أو بملامسة دم أو أنسجة الحيوانات المصابة خلال الذبح أو بعده مباشرة ولا لقاح لهذا المرض عند الإنسان أو الحيوان، أما أعراضه الأوليّة فهي الحمى وآلام العضلات وآلام البطن، لكن عند تطوره، يؤدي إلى نزف من العين والأذن والأنف، وصولاً إلى فشل في أعضاء الجسم ما يؤدي إلى الوفاة، وتؤدي الإصابة بفيروس الحمى النزفيّة إلى الوفاة بمعدل يتراوح من 10 إلى 40 بالمئة من المصابين.

إحصائيَّة
في العام 2022، وبين الأول من كانون الثاني و22 أيار، سجلت وزارة الصحة على الأقل 212 إصابة و27 وفاة بالحمى النزفيّة، وفق بيان صادر عن منظمة الصحة العالميّة يستند إلى إحصاءات رسميّة عراقيّة.
وفي حين يعدّ العراق "بين بلدان شرق المتوسط التي تتوطّنها حمى القرم-الكونغو النزفية"، وفق المنظمة، إلّا أنّ "عدد الحالات المبلغ عنها في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022 أعلى بكثير من العدد المبلغ عنه في عام 2021، إذ أعلنت وزارة الصحة العراقيّة في شهر ايار الماضي من العام الحالي عن 95 إصابة بينها 13 حالة وفاة.
وكشف المتحدث باسم وزارة الصحة، سيف البدر، أنَّ الأشخاص الأكثر إصابة بالمرض هم مربّو الماشية. والعاملون في محلات الجزارة".
وأشار إلى أنّ هذا لا يعني "عدم إمكانية إصابة فئات أخرى، ولكن الفئات الأكثر تماساً مع الحيونات أثناء تربيتها ونقلها والمتاجرة أو بعد ذبحها هم أكثر عرضة للإصابة".                

قلق عالمي
تثير الحمى النزفيّة الفيروسيّة "قلقاً متزايداً حول العالم"، خاصّة وأنّها خلال العقدين الماضيين شهدت 12 دولة في شرق المتوسط حدوث "فاشيات" متقطعة بانتشار "الحميات النزفية"، والتي قد تؤدي إلى حدوث "أوبئة" بمعدلات وفيات مرتفعة، خاصة إذا ما ترافقت مع عدم توفر اللقاحات أو غياب التشخيص المبكر.
وأوضحت منظمة الصحة العالميّة أنَّ معدل الوفيات "الناجمة عن حدوث فاشيات حمى القرم-الكونغو النزفيّة تصل إلى 40 بالمئة"، وتؤكد أنّه حتى الآن "لا يوجد لقاح" لا للإنسان أو الحيوان للوقاية من الإصابة بهذا المرض.

أعراض و وقاية
وتشرح منظمة الصحة أنَّ الفيروس ينتقل إلى البشر إما عن طريق "لدغات القرّادات" بشكل مباشر، أو عن طريق لمس دم أو أنسجة حيوانات مصابة أثناء الذبح أو حتى بعده، ولهذا تظهر الإصابات بشكل كبير بين العاملين في تربية الماشية من مزارعين وحتى أطباء بيطريين، وفي حالة إصابة الإنسان بهذا الفيروس، فقد يصبح ناقلا للمرض، من خلال الاتصال المباشر بدم الشخص المصاب أو إفرازاته أو سوائل الجسم، وقد ينتقل في المستشفيات نتيجة سوء تعقيم المعدات الطبيّة أو إعادة استخدام المستلزمات الطبيّة.

أطباء
يقول الطبيب حسن كاظم الجنابي استشاري الامراض الباطنيّة: توجد أعراض مختلفة للحمى النزفيّة منها آلام في البطن وقيء واسهال وشعور بالغثيان والتهاب الحلق وسرعة نبضات القلب والنزيف من مناطق مختلفة في الجسم وظهور طفح جلدي بسبب النزف تحت الجلد، وقد يكون تشخيص أنواع محددة من الحُمّى النزفيّة الفيروسيّة في الأيام القليلة الأولى من المرض أمراً صعباً لأنَّ مؤشرات المرض والأعراض المبكرة، مثل الحُمى الشديدة وآلام العضلات والصداع والإرهاق الشديد، شائعة في العديد من الأمراض الأخرى، وأكد: لا يوجد علاج للحمى النزفيّة الفيروسيّة، لكن توجد لقاحات لعددٍ قليل فقط منها، لذا تظل الوقاية هي أفضل وسيلة، ويعتمد العلاج في الأساس على الرعاية الداعمة وقد يساعد عقار ريبافيرين المضاد للفيروسات (Rebetol وVirazole وغيرهما) على تقصير مسار بعض أنواع العدوى ومنع حدوث مضاعفات في بعض الحالات، وما زالت هناك أدوية أخرى يُجرى العمل على  تطويرها.