انتخابات مجالس المحافظات.. المواطنون ينتظرون التغيير الحقيقي

ريبورتاج 2023/12/17
...

 فجر محمد/ بدور العامري
 تصوير: خضير العتابي


تضطلع مجالس المحافظات بمسؤولية كبيرة، فهي من تضع الميزانيات للقطاعات الحيويَّة المختلفة في البلاد منها الصحة والتعليم والنقل، علماً أنها انبثقت بعد سقوط النظام المباد عام 2003، وكانت تجربة جديدة فهناك من كان يؤيدها وبشدة، في حين رفضها آخرون بشكل قاطع لأنهم وجدوا فيها أوجهاً من وجوه الفساد كما يقولون.
يشير الخبراء والمراقبون للمشهد العام في البلاد، أنّ تلك المجالس من المفترض أن تؤدي دورها الفعّال والحقيقي في وضع ومتابعة ومحاسبة إدارة المشاريع التي تحصل في البلاد، وتشهد انتخابات مجالس المحافظات هذا العام أجواءً متوترة ومشحونة بسبب كل ما يحصل في المنطقة العربية والعالم من حروب ونزاعات وصراعات مسلّحة، الأمر الذي يجده المراقبون محبطاً ولا يبعث على التفاؤل أو على أقل تقدير الرغبة بالمشاركة والتغيير.

نظرة أمل
تعتقد الجامعيَّة زينب شاهين أنَّ مشاركتها في الانتخابات، أمر ضروري كي لا يسرق صوتها على حدِّ تعبيرها وتأخذه جهات أخرى عن طريق التزوير، ولهذا اختارت أن تنتخب من تجده مناسباً، علماً أنَّ لديها مرشحاً تثق به تماماً لأنّه يتمتع بالنزاهة والشفافيّة، ولن يكون اداة للفساد أو المحاصصة الطائفيَّة، عندما يصل إلى الموقع المنتظر، وفق كلامها.
وتحثُّ زينب زميلاتها في الجامعة على اتخاذ ذات الخطوة، وان يكون لديهن الرأي الخاص والرغبة بالتغيير لأنَّ الامتناع عن المشاركة يعني عودة البلاد إلى المربع الأول، ولن يكون هناك تغيير مرتقب في المشهد السياسي، وستظل الأمور كما هي.

بناء الإنسان
تحدثت الناشطة في مجال حقوق الإنسان رؤيا الحسّاني، عن أهمية ايجاد المرشحين الجدد لبرامج خاصة بتنمية الانسان وتطويره، لأنَّ البشر هم رأس المال الحقيقي الذي لا توجد خسارة في حال الاستثمار به، إذ تقول: "لا يخفى على الجميع ما عانى منه الفرد العراقي طوال مدة تزيد عن الأربعة عقود، من حروب واضطهاد وحصار ونزاعات طائفيَّة تسبّبت بعدم استقرار لفترات طويلة، أخذت الكثير من حياة المواطنين واستقرارهم النفسي والاجتماعي، لذلك كله يجب العمل على إيجاد معالجات حقيقيَّة لهذه المشكلات، وتابعت الحسَّاني على الرغم من وجود بعض الحلول هنا وهناك إلّا أنّ هذه المبادرات لا ترتقي لحجم الكوارث التي حلّت بالمواطن العراقي، وفي ذات السياق طالبت المواطنة سهاد علي (38 عاماً) وهي معلمة في إحدى مدارس مدينة الصدر، بأن يهتم المرشحون الجدد بقطاع التربية والتعليم بصورة أكبر، وتنمية الانسان بصورة خاصة، لأنَّ تطور أي مجتمع يعتمد على ثقافة ووعي أبنائه، إذ عن طريق التعليم وتوفير مستلزماته الأساسيَّة يمكن أن يُصنع جيل قوي قادر على بناء البلد وإدارته بصورة صحيحة، وأكدت ضرورة معالجة المدارس الكرفانيَّة في عموم العراق وإيجاد البنايات ذات المواصفات الصحيَّة المناسبة في المدارس، مع الاهتمام بتجهيزها وعدم اهمال أي جزئية من شأنها الارتقاء بالعملية التربويَّة، خاصة في التعليم الابتدائي والثانوي، وكل ما يتعلق بالنشاطات العلميّة والرياضيّة والاجتماعية الأخرى، وأوضحت المعلمة سهاد أنّ موضوع المدارس الكرفانيّة أخذ وقتاً أكثر مما كان محدداً له، إذ تمَّ اعتماده كحل لفترة مؤقتة لمشكلة قلة عدد المدارس وتهالك البعض الآخر منها.
وتساءلت علي: "هل من المعقول أن يتعلّم أبناؤنا في مدارس من الصفيح لا تمتلك أدنى مستوى من السلامة والصحة والشروط الطبيعيَّة للعملية التعليميَّة، والجميع يعلم أنّه على أرض العراق وجدت أولى الحضارات التي شعَّت بنورها للعالم عن طريق الكتابة واختراع العلوم الأخرى التي أصبحت النواة الأولى لكل العلوم والصناعات فيما بعد.

القطاع الخاص
التوجه للقطاع الخاص وتنميته هي إحدى المتطلبات الأساسيَّة التي يجب توافرها فيما إذا أريد للبلد النهوض وتجاوز أزماته بحسب الاكاديمي المهندس محمد حسن، إذ يقول: "بات من اليقين أن القطاع العام لا يستطيع تحمل جميع أعباء إدارة الدولة والنهوض بها، وباعتراف من كبار مسؤولي الدولة، وكان آخرها حديث رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي قالها بكل صراحة ان القطاع العام وحده لا يستطيع احتواء وتوظيف وتشغيل مخرجات الجامعات والايادي العاملة في البلاد، وتابع حسن: أن هذا الامر واقعي وليس انتقاصاً من المؤسسات الحكوميّة، إذ نجد الدول العظمى دائماً ما تستند إلى القطاع الخاص في جميع المجالات، وهو الامر الذي لا بدَّ أن يضعه المسؤولون الجدد في حسبانهم وخططهم المستقبليَّة، اذ يجب ان يبنوا قطاعاً خاصاً قوياً مسانداً للقطاع العام وداعما له، وتابع حسن: ان هناك مجالات يمكن للقطاع الخاص أن يكون شريكا ناجحا في إيجاد الحلول لها مثل أزمة السكن والدخول في المشاريع العملاقة مثل طريق التنمية وغيرها، لكن بشرط التنسيق والمتابعة الرقابة المستمرة مع توفير التسهيلات وإزالة العراقيل الروتينية التي تقف حائلاً أمام عمل القطاع الخاص.

انعدام المصداقيَّة
يرى مالك أيوب أنَّ امتناعه عن التصويت، ورفضه التوجه إلى صناديق الاقتراع في يوم الانتخابات سيُبيّن للعالم أجمع رفضه لما يحصل من صفقات فساد ومحاصصة طائفيَّة، ويقول مالك وهو مستاء: "منذ عشرين عاماً لم نشهد التغييرات التي كنّا بانتظار تحقيقها، بعد زوال نظام الطاغية، فقد كانت الأحلام كبيرة لكن الواقع لم يبشّر بخير ليومنا هذا".
ويبرر مالك مشاعر الخيبة والاحباط التي يشعر بها، نتيجة لكل ما حصل ويحصل من خراب وفساد على حد قوله.
حضور نسائي
من يسير في شوارع بغداد سيلاحظ، عدداً كبيراً من اللافتات والملصقات تحمل رسائل وتطمينات بالتغيير والأمل، من نسوة اعتزمن تولي مناصب قياديّة في مجالس المحافظات؛ ولهذا حاولن بشتى الطرق ارسال افكارهن إلى الشارع العراقي، من خلال عبارات ومفردات تكشف عن برامجهن المرتقبة، وهذا الامر من وجهة نظر المهندسة المعمارية فيان يوسف شيء يبعث على التفاؤل لأن النساء لهن مكانة واهمية كبيرة جداً في المجتمع، اذ تجدها تارة تعمل في الحقل الطبي من دون كلل أو ملل وتارة أخرى تجدها على رأس المشاريع وتشارك في بناء البلاد، وهي أيضا المعلّمة التي تخرّج أجيالاً تحب الوطن، وتغرس فيهم مفاهيم المواطنة والنزاهة والشرف.
وتشير فيان إلى أهمية المرأة في هكذا مناصب، لان المفاهيم والافكار والرؤى التي تحملها دائماً ما تتمتع بالأصالة والرغبة بالتطوير.

دماء وتضحيات
بحسب الاحصائيات والأرقام التي تصدر بين الحين والآخر عن الجهات ذات العلاقة، فإنَّ من المتوقع أنَّ البلاد قد وصلت إلى أكثر من 43 مليون نسمة، بواقع 15 محافظة لهذا من المفترض أن يكون عدد المشاركين في الاقتراع كبيراً جداً.
لكن استطلاعات الرأي تبين عكس ذلك.
بدأ الاستياء واضحاً على الشابة شهد ياسين، التي شاركت في تظاهرات تشرين التي اندلعت عام 2019، وشاركت فيها فئات مختلفة من افراد المجتمع، ولكن الحضور الأكبر كان للشباب الذين خرجوا رغبة بالتغيير، ومنهم شهد التي ترفض المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات وبشدة لأن أحد المطالب التي سقط من أجلها عدد لايستهان به من الشباب، هو حل مجالس المحافظات اذ اعتبروها حلقة زائدة في النظام السياسي للبلاد، وتعبر شهد عن رأيها بالقول: "لن أشارك في انتخابات مثيرة للجدل، ولن تقدم أو تؤخر شيئاً من الواقع العصيب الذي نعيشه اليوم خصوصاً وأن انتخابات تلك المجالس تعيد إلى ذهني الذكرى الأليمة لخسارة زملائي، الذين كانوا يحلمون بعراق أفضل وبلد تتوفر فيه أبسط مقومات العيش بكرامة على حد
قولها.