الكتبُ توفر بديلاً حضاريًّا عن الهاتف

ريبورتاج 2023/12/25
...

 كاظم الكتبي

شارع المتنبي ذلك العنوان الذي يرادف الثقافة والفكر والقراءة والكتاب في الذاكرة العراقية، هو رئة العراقيين الثقافية، ومنه يتنفس أدباء العراق عطر الأدب ورحيق المعرفة، تربت أجيال من الرواد في كنف مكتباته وترعرع كبار الكتاب في دهاليزه، لا يخلو زقاق من أزقته الضيقة من مكتبة او متجر صغير لبيع الكتب، فمهما كنت عارفاً بسوق الكتب وأماكن وجود المكتبات تفاجئك أحيانا كثيرة مكتبات ضخمة متنوعة المصادر والمراجع في أماكن منزوية في ذلك الزقاق او هذا المنفذ، وفي بناية الميالي كانت أولى المحطات حيث اللقاء مع الناقدة الدكتورة فاطمة بدر، التي افتتحت مكتبتها مكتبة ودار نشر (الكا)، والتي كانت طموحاتها افتتاح دار اوسع للثقافة والفنون للأطفال والشباب، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه.

بديل
في حديث معها أفادت فاطمة بدر: لقد افتتحت المكتبة عام 2018، وكثيرا ما فكرت أن أوسعها لكن مع صغر المكان تتراجع الأفكار وتصطدم بالأفضل والأكثر إيجابية، بدر بيّنت أن المكتبة والكتب توفران بديلا حضاريا عن الهاتف الجوال والبرامج والألعاب الالكترونية، التي اغتالت عقول الشباب بها فهي تتجدد وتتطور بشكل سريع وتمنعهم من الحركة والقراءة وتوقف إبداعاتهم ومواهبهم.
ومن جداول هذا الشارع العريق وفي زقاق الوراقين كانت لنا وقفة مع عدة مكتبات، تديرها فتيات ملؤهن الحماس والنشاط في أداء اعمالهن، دفعني الفضول للحديث مع بعضهن بشأن هذه المهنة ودوافع العمل في هذا المجال، وهل هناك معوقات تعترض طريقهن وما حكاياتهن مع الكتب.

الشغف بالكتاب
الروائية والقاصة أيام رشيد صاحبة دار ومكتبة أيام للنشر والتوزيع قالت: مهنة بيع وشراء وطباعة الكتب من المهن المحترمة، فهي توفر مناخا ثقافيا لرواد المعرفة وطالبي الكتاب وتفتح الأبواب للتواصل مع المؤلفين والمثقفين في الساحة الثقافية، نعم كانت هنالك معوقات في البدايات كبداية أي عمل ولكن شغفي بالقراءة وحبي للكتاب ذلل جميع الصعوبات.

بين المتعة والمورد المالي
من جانبها بيّنت الكُتبية الشابة زهراء صاحبة متجر (بائعة الكتب) ان العمل في بيع الكتب لا يخلو من فائدة كونك محاطا بثروات فكرية وكنوز معرفية، وتلتقي بعدد من أصحاب الفكر والرأي من المثقفين ومحبي المطالعة، وفيه من المتعة الكثير أيضا لأني عاشقة للقراءة ومطالعة الكتب، فالذي يعمل بما يحب بالتأكيد، سوف يبدع وينجح وإن كان العائد المادي قليلا.
زهراء لم تخفِ بعض الصعوبات التي واجهتها في عملها تتعلق بسوء تعامل بعض الكتبيين المخضرمين والاستخفاف بها، كونها لا تمتلك تلك الخبرة التي تؤهلها للعمل في هذا المجال، ولكن بمرور الوقت استطاعت تغيير تلك الانطباعات من خلال اكتسابها الخبرة العملية ومعرفة أصول المهنة.
ظاهرة حضاريَّة وثقافيَّة
اما القارئ مؤيد حميد فقد بيّن أن دخول المرأة في هذا العالم يكون إيجابيا فيما اذا كانت هي صاحبة المكتبة او دار النشر، أما عملها كعاملة في مكتبة فهو لا يخلو من سلبيات، فهنا يكون موقفها أضعف وتكون أداة للترويج وتسويق المبيعات من الكتب لا اكثر، لكن في العموم تبقى هذه الظاهرة ظاهرة ثقافية حضارية، وسوف تتهذب السلبيات بمرور الزمن.

الواقع الثقافي
بينما افاد الكتبي حميد الراضي أحد باعة الكتب في شارع الرشيد بأن انتشار ظاهرة بيع الكتب من قبل النساء ظاهرة صحية، ولها انعكاس إيجابي على الواقع الثقافي، بالإضافة إلى المردود المالي للنساء العاملات في هذا المجال، والعمل حق مشروع، لا سيما في هذه المهنة التي عدّت من المهن الشريفة، ولا ننسى ما فيها من جانب المساواة بين الرجل والمرأة. مضيفا أن "ما يعزز وجود الكتبيات في شارع المتنبي أن أغلبهن بدأن قارئات للكتب، ولهن إطلاع جيد على الأدب والتاريخ والثقافة العامة، وهذا الرصيد الثقافي هو بالضبط ما يحتاجه بائع الكتب".

ثقة المرأة
اما الكتبي زياد المولى فقد بيّن، أن المرأة أصبحت اليوم رقمًا مهما في الشارع العراقي، وصارت أكثر ثقة في نفسها ومن الطبيعي وجودها في هذا الحقل، خاصة أن المجتمع والبيئة العامة اليوم تدعم عمل المرأة ودخولها في المنافسة مع الرجل، وهذا الأمر يعود في صالح الزبون او القارئ ويخدم المجتمع، فأنا مع عمل المرأة في بيع وشراء الكتب وتشييد المكتبات.
وبهذا فإن كتبيات شارع المتنبي استطعن أن يكسرن حاجز الخوف من العمل بهذا المجال، ويشاركن الرجال هذه المهنة، ويشاركنهم في معارض الكتاب داخل وخارج العراق.