معضلة تغيير جنس الأراضي الزراعيَّة إلى سكنيَّة

ريبورتاج 2023/12/27
...

  نافع الناجي

أصبحت أزمة السكن إحدى المشكلات الخانقة التي تطل بوجهها كثيراً في السنوات الأخيرة، في معظم مدن العراق التي باتت تعاني من ندرة الأراضي الصالحة للإفراز والتوزيع بين المواطنين، فضلا عن غياب البنى التحتيَّة والخدمات الأساسيَّة عن أحياء كثيرة بعضها يعود إلى ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.


وبالرغم من إعلان الحكومات المتعاقبة عن خططها لتوفير الوحدات السكنيَّة وتوزيع قطع الأراضي على مستحقيها، بيدَ أنَّ ذلك لم يعد كافياً بسبب تزايد وتضخم عدد السكان، ونسب النمو العالية في المواليد، لذلك تزايدت مساحات البناء العشوائي وزحف الكونكريت على الحقول والبساتين، الذي خلّف ظاهرة التجاوز على الأراضي الزراعيَّة بشتى أنواعها وتفتيت مساحات كبيرة منها.

إجراءات تنفيذيَّة
مدير زراعة المثنى المهندس واثق منصور، قال: إنَّ "الإجراءات التي تعتمدها مديرية زراعة المحافظة، تنطلق من حيثيات ومضمون القرار المرقم (320 لسنة 2022) الصادر عن مجلس الوزراء، والضوابط والمحددات التي أشار إليها بشأن تغيير جنس الأراضي من زراعي إلى سكني".
وأضاف: "تشتمل إجراءاتنا على الأراضي المملوكة للدولة وهي البساتين والأراضي المملوكة للجهات الرسمية التابعة للوزارة، كذلك تشمل أحكام القرار الأراضي الواقعة داخل حدود التصميم الأساس للمدن".

قرار تمليك
ولفت منصور إلى أنَّ "قرار تمليك الأراضي الزراعيَّة وتغيير جنسها من زراعي إلى سكني، بطبيعة الحال جاء لحل مشكلة كبيرة ومهمة في استقرار المجتمع العراقي، وذلك من خلال توفير السكن اللائق وكذلك معالجة كثرة حالات التجاوزات على الأراضي الزراعيَّة لأغراض السكن"، مستدركاً: "بشرط أن تكون تلك الأراضي ضمن التصاميم الأساسية للمدن ولا تتعارض مع تصميم الخدمات العامة"، وأشار المهندس واثق منصور إلى أنَّ "قرار مجلس الوزراء المذكور، منح وزارة الزراعة في المحافظات صلاحيَّة رفع أي تجاوزات لمنع تجريف الأراضي الزراعيَّة والمحافظة على الرقعة الزراعيَّة الخضراء المحيطة بالمدن".

إنهاء معاناة
أما المواطن حسنين عبد الرحيم، فقال: "أعتقد أنَّ القرار المذكور في حال تطبيقه، سيسهم في تخفيف معاناة ملايين المواطنين الذين عجزوا عن الحصول على قطعة أرض سكنية لتشييد دار العمر"، مضيفاً "نحض الحكومة وأجهزتها المختلفة، على التطبيق السريع والشامل لمفردات هذا القرار لإنهاء معاناة المواطنين وتحقيقاً للعدالة"، حسب تعبيره.
فيما قال المواطن سلمان عزّاوي "امتلك أرضاً زراعيَّة تبلغ مساحتها أكثر من مئة دونم، نشترك بحيازتها وزراعتها بالمحاصيل الصيفية والشتوية أنا وإخوتي الثلاثة"، واستدرك: "لكن بعد زواج أخوتي، أصبح من الضروري استقلال كلٍّ منهم في بيت هو وأسرته، وهذا يحتاج إلى تغيير جنس الأرض وإقامة بيت حسب الضوابط المنصوص عليها في قرار مجلس الوزراء"، وناشد عزّاوي الجهات المسؤولة بضرورة تسهيل الإجراءات القانونيَّة في بعض الدوائر والوزارات، كون القرار يهدف لمعالجة أزمة السكن وإنهاء معاناة معظم الأسر ذات الدخل المحدود، في المدن والمناطق المحاذية للمدن والإسراع بشمول تلك المناطق بالخدمات والبنى التحتيَّة لكونها تعد من أبسط متطلبات الحياة.

فرصة مهمّة
من جهته يرى المواطن تحسين كامل، الذي يقطن في العشوائيات منذ سنوات عديدة وهو يحلم ببناء دار تحميه وأسرته التي تتكوّن من ستة أفراد، أنَّ "تغيير جنس الأراضي الزراعيَّة إلى السكنيَّة، فرصة مهمة للمواطنين من ذوي الدخل المحدود لتحقيق أحلامهم في بيت متواضع بعد مسيرة حافلة بالتعب والانتظار خصوصاً في المناطق القريبة من المدن، بعد أن وعدت الدولة بإيصال الخدمات لهذه المناطق بعد توفر الشروط المطلوبة وفق القرارات الجديدة".
ولفت كامل إلى أنَّ "قرار تمليك الأراضي الزراعية لم يكن مجاناً وليست هبة، بل بمقابل مالي محدد يدفعه المواطن"، مشدداً: "لكن هذه المبالغ مهما كانت قيمتها، تظل أقل بكثير من مبالغ العقارات داخل مناطق مراكز المحافظات وبعض الأقضية".

مردودات ماليَّة
خبراء في المجال الاقتصادي يرون أنَّ مسألة تحويل جنس الأراضي الزراعيَّة والتي أقيمت عليها المباني والبيوت من قبل الأهالي إلى جنس (عقاري) بدل الزراعي، له مميزات عديدة ومردودات مالية مهمة، في مقدمتها إمكانية استحصال جباية أموال للدولة، فضلاً عن أن تحويل الأرض لن يكون بالمجان بل مقابل أموال حددتها الدولة ويمكن إعادة استثمار هذه الأموال، بإنشاء الطرق والتخطيط العمراني وغيرها من المنافع الكثيرة فضلاً عن التوسع الأفقي ورفع الزخم عن المدن والقصبات القديمة.