رندة حلوم
وصل الدّمشقي محمد حرب أبو صبحي التّيناوي الذي ولد في دمشق عام 1884 لخارج أسوارها، وأصبح علامة فارقة في الفن الشّعبي لما تمتلك لوحاته من حسٍ مرهفٍ تجاه الإطار العام
للميثولوجيا.
وبفطرته رسم الفنان على الزّجاج والقماش، الأمر الذي رسخ في ذاكرته من قصص وأساطير شعبيّة بطريقة بدائيّة تقليديّة فاضت منها دمشقتيه على بنية وتجليات العمل العفوي.
لم يدرس الّتيناوي الفن التّشكيلي أكاديميّا، ولم يكن له أي اطلاع على مدارسه وأعلامه وأدواته، إذ كان بعيداً عنها، ولم يسمع بها قط، لكنّ شهرته سبقت الكثير من الفنانين المحليين والعرب، بل طالت الأوروبيين، وتأثر به الكثيرون في سوريّة وخارجها، فقد أوصلته الخطوات الأولى التي تعلّمها في محل والده بمنطقة "الدرويشية" في دمشق القديمة إلى متحف اللّوفر الذي اقتنى لوحتين للفنان الشّعبي صبحي التّيناوي، كما وعرضت لوحاته في متحف التّقاليد الشّعبيّة في دمشق "قصر العظم".
منذ طفولة الفنان ووالده كان يرسم الخطوط الأولى للوحات التي ينتجها في محله لبيع العصرونية، والتي كان يستوحيها من الأساطير والسّير والقصص التّاريخيّة، ويقوم الطّفل محمد حرب بتلوينها.. هكذا تشكلت لدى التيناوي موهبته التي فاضت بالإبداع لاحقاً وتوجهت إلى انحاء المعمورة، فلوحاته كانت عبارة عن إرث حضاري لثقافة منطقة بالكامل، وشخوصه مستوحاة من حقل التّاريخ، والدّين، والسّير والأساطير، والبيئة الدّمشقيّة العتيقة، مثل سيرة "عنترة بن شداد" التي كانت الشّخصية الأكثر شهرة في لوحاته "لعبلة وعنترة، والحصان، والأبجر"، حيث تميّزها بالبعد التّاريخي، فهناك لوحات "الظاهر بيبرس" كما صور وقوف الثوار السوريين بوجه المحتل الفرنسي، حيث أظهرهم الفنان الشّعبي التيناوي بملابسهم الدّمشقيّ، وكذلك تطرق إلى "حرب البسوس" وشخصية "الزّير سالم أبو ليلى المهبل".
وقد لامس الفنان "الميثولوجيا" ببعدها الدّيني، فمن قصّة آدم وحواء إلى المعراج والبراق والنّبي إبراهيم مع ابنه النبي إسماعيل والخضر "عليهم السّلام"، وأيضا النّبي يونس والنّبي سليمان "عليهم السّلام"، وتناول "محمل الحج " في أكثر من لوحة، كما تمايلت الغوطة عبر أعماله وتهادى نهر بردى، واهتم بالعمارة الدّمشقية القديمة والبيوت والأزهار، وناغم في تشكيله بين الخط والزخرفة والخطوط والبسيطة والألوان المشبعة.
لم يقم التيناوي أي معرض فني في حياته، ولم يلق الاهتمام من الإعلام والدّارسين إلاّ بعد وفاته، على الرّغم من أنّ محلّه وأعماله كانت مقصد السّياح وانتشرت بشكل واسع في سورية ولبنان.
لقد تشابهت لوحات "التيناوي" مع الرّسومات الموجودة في المخطوطات العربية القديمة، إلا أنّها بدمشقتيها شذبت لحية الفن البدائية، وانطلقت من أسوار هذه المدينة نحو العالم بكل تلقائية وبساطة فاقت تعقيدات المدارس الفنية المختلفة.