أليف شافاك: سلامة عقولنا

منصة 2023/12/28
...

 ميادة سفر


اعتاد القرّاء متابعة الإصدارات الأدبيّة الروائيّة للكاتبة التركيّة أليف شافاك التي حظيت باهتمام كبير في السنوات الأخيرة منذ إصدارها “قواعد العشق الأربعون” وحتى آخر رواياتها “جزيرة الأشجار المفقودة”، إلا أن كتابها “كيف نحافظ على سلامة عقولنا في عصر منقسم” الصادر عن دار الآداب اللبنانيّة، بالتزامن مع روايتها الأخيرة شكّل مفاجأة للكثيرين، لصغر حجمه أولاً والمواضيع التي تناولها على شكل مقالات ناقشت فيها الكاتبة كيفية التعامل مع الأزمات التي يواجهها عصرنا الراهن في ظل انقسامات حادة على مختلف المستويات. الكتاب الذي أنجزته الروائيّة البريطانيّة التركيّة الأصل خلال فترة الحجر الصحي أثناء انتشار وباء كورونا، سيشكل طرحاً جديداً من الأطروحات التي تقدمها من خلال حديثها عن الآثار التي تركها وسيتركها الوباء على الحياة الاجتماعية والنفسية للناس، فضلاً عن معالجته لكثير من القضايا المهمة التي تعترض حياة الكثيرين منا مثل القلق واللامبالاة والغضب، تحكي عن الخذلان الذي أصابنا ونحن نواجه الوباء في ظل نظام معطوب، فها نحن اليوم “نقف جميعاً وننظر إلى منظومة سياسية لا تنفك تزبد بالشعارات، وإلى سوق لا يحركها إلا الربح والجشع، لا عجب إذن أن نعيش بخذلان عميق”، وعن الأوطان التي تترك أثرها في لهجاتنا المكسّرة، وأنصاف ابتساماتنا، وكثيراً عن النساء والأقليات والتعليم الذي كان بالنسبة لكثيرات يعني الاستقلال المادي والهروب من الأعراف المحافظة والقيود البطريركية.

كان للحكايات آثرها البالغ في حياة الكاتبة، تخبرنا كم “كانت شديدة الفضول في ما يتعلق بالكتب والأسرار التي تحتويها”، وحتى بعد أن أصبحت كاتبة روائية ما زلت الحكايات تشدها، فقدمت في كتابها “كيف نحافظ على سلامة عقولنا في عصر منقسم” تبريراً وإجابة عن سؤال لماذا نحتاج  إلى سرد القصص والاستماع إليها؟، فعلى الرغم من أننا نعيش ظروفاً وأوقاتاً صعبة فإنّ فكرة وجود عالم بلا كتب ومن دون سرد للقصص، ومن دون تعاطف، تضعنا أمام واقع أليم لأننا حينها “لن نجد أمامنا سوى مكان أكثر وحدة وانقساماً”.

حاولت أليف شافاك تشريح عالم ما بعد وباء كورونا، في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وسيطرتها على كثير من مفاصل حياتنا، حيث الكثير من المعلومات والقليل من المعرفة، وأمام هذا الواقع وجدت الروائية التركية أن الحل يكمن في الحصول على معلومات أقل ومعرفة أكثر وقدر كبير من الحكمة، وبصفتها روائية تؤمن شافاك بما في القصص من قوة تغيير تقربنا من بعضنا البعض، وتوسع مداركنا، وتطلق إمكانياتنا الحقيقية للتعاطف والحكمة.

في صفحاته التي لا تتجاوز الستين تقدم لنا الروائية التركية فيضاً من أفكارها ونصائحها لعلنا نستطيع مواجهة هذا العالم المنقسم، فلدينا الكثير لنعيد بناء مجتمعاتنا، ونحل مشكلات العنصرية والتفاوت والتمييز بين البشر، فنحن كما تقول: “كائنات عاطفية، بصرف النظر عن التصنيف الجندري أو العرقي أو الإثني أو الجغرافي”، فلماذا لا نستثمر ذلك التعاطف بدل الكراهية، والإنسانية بدل كل ما يفرقنا؟!