المستهلكون والعلامات التجارية

اقتصادية 2024/01/03
...

عبدالزهرة محمد الهنداوي



تُعد حماية المستهلِك على رأس الأولويات والاهتمامات لدى أغلب بلدان العالم، ومن أجل تحقيق هذه الحماية، فقد جرى سَن الكثير من القوانين، والأنظمة واللوائح والاتفاقيات،  عبر المنظمات الدولية ذات الاختصاص،  وتداعت دول كثيرة لكي تنخرط ضمن هذه الاتفاقيات.

ومن بين أهم ما اهتمت به تلك الدول، هو تشريع قوانين العلامات التجارية، ومثل هذه القوانين لم تأتِ من فراغ، إنما هي امتداد لخطوات وإجراءات تضرب عميقا في بطون التاريخ، إذ تشير المعلومات إلى أن أول محاولة باتجاه وضع العلامة التجارية، كانت في عهد الملك هنري الثالث عام 1266 ميلادي، عندما ألزم جميع الخبّازين في مملكته باستخدام علامة مميزة لتمييز خبزهم عن غيره، لأنه متوافر على سلامة الاستهلاك، بعد أن شهد سوق الخبز تسرّب أنواع رديئة.

والعراق ليس بعيدا عن العالم في هذا المجال، ولعله من بين الدول السبّاقة في سن قانون العلامات التجارية، وكان ذلك عام 1957 بعد مرور 100 عام على وضع أول نظام في فرنسا عام 1857.

وتكمن أهمية العلامة التجارية في ضمان الملكية الفكرية لصاحب العلامة، كما أنها تسهم في تشكيل بيئة تنافسية بين المنتجين، عمادها الجودة،  وبالتالي بناء ثقة المستهلك بتلك المنتجات، إذ تتحول علامتها التجارية إلى انطباع ذهني راسخ لدى المستهلك بالاطمئنان إلى اقتناء أو استهلاك تلك السلعة، أو ذلك المنتج، وبالتالي فإننا نتحدث عن علامات تجارية عريقة، لشركات عالمية عملاقة في مختلف الاختصاصات، في السيارات، وفي عدد البناء، وفي الأجهزة الكهربائية، وفي الأدوية، وفي المواد الغذائية.. إلخ..

ولكن، ومع التشدد العالي في ضبط إيقاع السلع والبضائع، سواء المنتجة محليا، أو المستوردة، فإننا نجد الكثير من المنتجات الخالية من العلامات التجارية، أو أنها تقوم بإيهام أو تضليل المستهلك من خلال استخدام علامة تجارية مزورة، أو إضافة حركة معينة أو كلمة للعلامة الأصلية، لتحقيق الهدف، مع الإشارة إلى أن القانون العراقي تضمن عقوبات مشددة في التعامل مع هذه الحالات، من قبيل عقوبة الحبس  التي تصل إلى 10 سنوات، والغرامات المالية التي تلامس المليوني دينار مع مصادرة المنتج، وغلق المحل في حال تكررت جريمة استخدام العلامة التجارية من دون تفويض من مالكها، أو تزويرها .

وتتمظهر عملية الغش والتزوير للعلامات التجارية بنحو أكثر وضوحا، في مواد التجميل، والمنظفات، وأحيانا بعض المواد الغذائية، ولطالما رصدت الجهات المختصة ومن بينها فرق الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية، مثل هذه المخالفات الخطيرة، واتخذت الإجراءات اللازمة بشأنها، إلا أن عملية التزوير والغش ما زالت موجودة، وإزاء استمرارها نحن بحاجة إلى تفعيل الإجراءات الرادعة التي جاء بها القانون وتعديلاته، وتكثيف الرقابة والمتابعة، بنحو علني وسري، لمحاصرة مزوري العلامات التجارية، وتجفيف مصادر السلع المغشوشة التي تتسرب إلى الأسواق، كما أن واقع الحال يتطلب من المستهلك أن يكون رقيبا ومفتشا، ومبلغا عن أي حالة غش يرصدها، وألاّ تغريه حالة رخص الأسعار، فسلامته أهم بكثير من كل شيء، والدولة تنفق مليارات الدولارات من أجل ضمان سلامة وصلاحية المنتجات، كما أن أصحاب العلامات التجارية أنفقوا أموالا ليست بالقليلة مقابل حصولهم على علامتهم التجارية، وهم في المقابل مسؤولون ومساءلون عن جودة ما يصنعون وينتجون.