قانون الضمان الاجتماعي الجديد.. طوق النجاة للكسبة والعمال

ريبورتاج 2024/01/04
...

   بدور العامري


 أصبح بإمكاني أن أعيش بقية حياتي وأنا مرتاح البال تجاه بناتي الثلاث، لأني سأترك لهن راتباً تقاعدياً يستندن عليه في حال توفاني الله أو تعرضت لمكروه ما، بهذه الكلمات تحدث سائق التكسي أبو حوراء ذو الخمسين عاماً حول قانون الضمان الاجتماعي الجديد، والذي عده المختصون خطوة موفقة في طريق حل مشكلات البطالة والفقر في العراق.


التقاعد الاختياري
وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي في حوار متلفز على  قناة العراقيّة، أكد أن التعديل الذي طرأ على قانون العمل لعام 1971 هو من أهم القوانين التي أنجزت خلال الدورة الحالية والدورات السابقة لما يحمله من تغييرات جذريّة ستسهم بالاهتمام بالقطاع الخاص والطبقة العاملة، وأوضح الأسدي أن القانون يشمل الجميع، ولا يقتصر على فئة من العمال كما كان معمولاً به سابقاً، إذ كان الضمان يشمل (العامل لغيره)، أي كل شخص يعمل لحساب شخص آخر، كأن تكون شركة أو مؤسسة أو أي مشروع منظم، حيث كان صاحب العمل يدفع نسبة 12 % والعامل
5 % ليصبح المجموع 17 % كتوقيفات تقاعدية، اما التعديل الجديد فقد نص على مساهمة الدولة بنسبة 8 % ليصبح المبلغ 25 % أسوة بالعاملين في القطاع العام، كما شمل قانون الضمان الجديد جميع (العاملين لنفسهم) أي أصحاب المهن والكسبة مثل سائق التكسي والخياط والنجار والحداد وجميع من يعمل، وأوضح الأسدي أن العامل لنفسه يقوم بتسجيل بياناته الخاصة عبر القنوات المخصصة التي هيأتها الوزارة ثم يحدد الوارد الشهري المتحصل من عمله ليدفع نسبة 5 % منه لصندوق الضمان فيما ستقوم الدولة بدفع 15 % لتصبح نسبة التوقيفات التقاعدية 20 %، وهذا يمثل احد اهم الامتيازات التي يوفرها القانون.

امتيازات
من جانبها أكدت مدير عام التقاعد والضمان الاجتماعي في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية خلود حيران، أنّ "الاعمار المشمولة بالتسجيل في الضمان الاجتماعي هي (18 - 50) عاماً، إذ أعطى القانون الجديد الحق للمواطن أن يتمتع بالتقاعد الاختياري ممن قام بدفع توقيفات تقاعدية تعادل خمسة عشر عاماً، ممن وصلت أعمارهم الى 63 عاماً".
وبيّنت حيران، أنّه "سيكون أدنى حدٍّ لتقاعد العمال السابقين (500) الف دينار عراقي، فيما سيكون الراتب التقاعدي للعامل مستقبلا مساويا لراتب الموظف في القطاع العام، وستسري هذه المعادلة على العمال الجدد أيضا".
وتابعت حيران: "كذلك عمل القانون الجديد على تخفيض نسبة العجز الجسدي للعمال ومستحقي الرواتب إلى 30 %، بدلا من 35 % الذي كان معمولاً به وفق قانون 1971، مضيفة "كما اشتمل القانون على العديد من الامتيازات لهؤلاء العمال مثل شمولهم بالضمان الصحي والمنح والقروض، كذلك الحال بالنسبة للمرآة، فقد أولاها القانون رعاية خاصة عن طريق عدد من الامتيازات، ومن ثم أصبح هناك تكافؤ بين القطاعين من حيث الحقوق والالتزامات، بعد أن أعطى هذا القانون الحرية لكل مواطن عراقي لديه عمل أو مهنة أن ينضم تحت مظلة الضمان الاجتماعي".

جهود مشتركة
وكان البرلمان العراقي قد أعلن في بيان له بعد التصويت على القانون، أن هذا القانون يهدف لشمول أوسع للعاملين في القطاعات الثلاثة (الخاص والمختلط والتعاوني)، إذ سيصبح كل مواطن عراقي مشمولاً بقانون العمل لضمان حياة كريمة للعمال وأسرهم، وأوضح البيان أنَّ "هذا التشريع جاء تأكيدا على المبادئ التي نصّ عليها الدستور، واستجابة لتطورات المرحلة الحالية ومواجهة الأزمات الاجتماعية، وتماشياً مع دعوة منظمة العمل الدوليّة بتوسيع قاعدة الحماية الاجتماعية لشمول فئات أوسع من شرائح المجتمع العراقي بالضمان الاجتماعي، إذ اشتمل على العديد من المزايا منها تخفيف الضغط على القطاع العام، وتنشيط القطاع الخاص وزيادة التوجه من قبل الشباب للعمل فيه".
من جانبه أشاد رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال ستار دنبوس، بالجهود المشتركة التي بذلت من أجل خروج هذا القانون إلى النور، إذ يقول: "سيعمل القانون الجديد على معالجة الكثير من المشكلات التي تواجه العمال ومنها تجاوزات أصحاب العمل على حقوق العمال، وحرمانهم من الحصول على مستحقاتهم المالية التقاعديَّة بصورة مستقرة، وإخراج العامل من هذه الدوامة، إذ ستتبنى الجهات الحكومية المساهمة في مبلغ التوقيفات التقاعديّة، كما اكد القانون على إعطاء العامل المحلي أولوية في مجالات العمل، إذ اعتمد وجود عامل أجنبي مقابل عاملين عراقيين وبذلك فسح المجال للشباب في المنافسة على سوق العمل".

الأمان الوظيفي
الشاب مهند مصطفى (32 عاماً)، يعمل خياطاً منذ سبعة أعوام، بعد أن فقد الأمل في إيجاد وظيفة حكوميَّة، تحدث عن رغبته في التسجيل على الضمان الاجتماعي بأسرع وقت، لغرض الحصول على حقوقه في المستقبل أسوة بجميع العاملين في الدولة من دون الخوف من المجهول، وبحسب الناشط المدني علي الزيادي "يعتبر توفير العمل المناسب لجميع الأفراد الراغبين في العمل، من أبجديات مهام الحكومات في كل دول العالم، لكن الأمر مختلف في العراق، إذ فشلت الحكومات التي تسلّمت دفة الحكم منذ عام 2003 في استثمار القطاع الخاص بصفته رديفاً قوياً ومسانداً لمختلف قطاعات الدولة، واستمرَّ تركيز طلب العمل والوظائف على القطاع العام، إذ بيّنت دراسة أعدها الجهاز المركزي للأحصاء، بالتعاون مع اليونيسف والبنك الدولي أنَّ "عمل ربّ الأسرة في القطاع الخاص يؤدي إلى احتمال وقوعه وأسرته في براثن الفقر اكثر بثلاث مرات مقارنة مع العاملين في القطاع العام، الأمر الذي أفقده الأمان الوظيفي والإنساني".

مواكبة التغيرات
وبحسب الأكاديمي الدكتور حسن كاظم هادي، فإنّ "القطاع الخاص في العراق لا يزال ضعيفاً وغير متطور وغير منظم في تشغيله، نتيجة عدة عوامل يأتي في مقدمتها عدم حوكمة القطاع، الامر الذي ترك الباب مفتوحاً لتفشي الفساد الذي يعمل عائقاً أمام تنمية القطاع الخاص وزيادة حجم مساهمته في الإنتاج الوطني، مما جعله متخلّفاً غير قادر على مواكبة التغيرات واستيعابها، ونتيجة لذلك كان لا بدَّ من العمل على توجيه سياسة الحكومة الحاليّة وفق خطط وبرامج ذات جدوى اقتصادية من شأنها النهوض بالقطاع الخاص واستثمار قدراته الماديّة والبشريّة، والتركيز على مهمة توفير عمل لائق ومحمي لكل مواطن عراقي".
وأوضح هادي، أنّ "قانون الضمان الاجتماعي الجديد هو طوق النجاة للقطاع الخاص فيما اذا تمَّ تنفيذ بنوده بصورة موضوعيّة تتناسب وحجم المكتسبات التي سوف يحققها على المدى المتوسط والبعيد".
وذكر هادي، عدة نقاط من شأنها الارتقاء بعمل القطاع الخاص وتحديد علاقته بالقطاع العام، أولها وجود رؤية واضحة لحوكمة القطاع الخاص.

رفع الوعي
فيما أكمل هادي، أنَّ "إيجاد إطار عمل واضح للدولة ينظم عملية الشراكة بين القطاعين، كذلك العمل على رفع وعي القطاع الخاص بأهمية دوره في المسؤولية الاجتماعية وزيادة استعداده لتحمل الأعباء المترتبة على هذا الدور، عوامل أساسية لا بدَّ من تواجدها مع زيادة رفع الوعي والتثقيف لدى المواطنين بصورة عامة والعاملين في القطاع الخاص على وجه الخصوص حول أساليب حفظ حقوقهم، وعدم التغاضي عن أي نوع من الاستغلال الذي يمارسه صاحب العمل عليهم أو تهديدهم بخسارتهم لمصدر رزقهم، لأنّ القانون الحالي وجد لخدمتهم وحفظ كرامتهم".
ويعتقد الدكتور حسن هادي، أنّ "بناء الثقة في توجهات الدولة في ما يخص هيكلة الشركات العامة وممارستها لدى المؤسسات الحكومية، وإيجاد حل لموضوع التخوّف من الخصخصة بجميع اشكالها لدى أصحاب المصلحة المعنيين، من الأمور التي يجب على أصحاب القرار تبنيها، كذلك معالجة القصور القانوني الداعم لعملية حوكمة القطاع الخاص وفك التقاطعات بين عمل المؤسسات ذات العلاقة".