"انظر إلى النصف الممتلئ من الكأس ولا تنظر الى النصف الفارغ منها"، مقولة جميعكم يعرفها، وبينكم من يمنّي النفس بها وكثيرون يسخرون منها أقصد العراقيين تحديداً.
هذه المقولة تحمل معنى عميقاً، وهي ذات مغزى تربوي ونفسي تحثُّ الإنسانَ على أنْ يكون إيجابياً في حياته وتستثيره في أنْ يتلمسَ النقاط المضيئة في الأمور التي يعيشها.
وهذه الإيجابيَّة لها الكثير من الفوائد على الفرد والمجتمع والوطن.
ومن هنا نجد أنَّ تداول هذه الكلمة في المجالس والدواوين كثير، حتى أنها كادت تصبح مطلباً أساسياً في كل ناحية من نواحي الحياة أو مُسَكِّناً مهماً في الأزمات والفساد وتَحَمُّل المظالم والعديدِ من الصور الحياتيَّة التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى.
والمقولة تضربُ أيضاً على وتر من غلبت عليه النظرة التشاؤميَّة.
فالمتشائم تغلبُ عليه النظرة السلبيَّة لكل ما حوله والأحداث التي يتعاملُ معها، فنصف الكأس الفارغ يجسدُ له يأسه الذي يعميه عن النصف المملوء من الكأس رغم أنَّه موجود.
سايكولوجيا، تعني المقولة التركيز في كل أمور حياتنا على التفاؤل والأمل، وعلى الجانب المشرق والإيجابي منها وهو الذي يمثل نصف الكأس المملوء، وعدم التركيز على النصف الفارغ الذي يمثل كل ما نعانيه من صعوباتٍ ومشكلات واحتياجات وحرمان والجوانب السلبيَّة في الحياة.
وعملياً، تمتلئ الحياة المعاصرة بالمواقف والمعاني الغامضة، بدءاً من الرسائل الالكترونيَّة التي تحمل عباراتٍ غامضة وتنتهي بمواقف تضع لها تفسيراتٍ غير منطقيَّة، مثال ذلك.. من السهل عليك التوصل لنتائج خاطئة تتعلقُ بنوايا الأشخاص الآخرين، فالصديق الذي لم يرد على مكالمتك ربما يكون مشغولاً بدلاً من أنْ يكون منزعجاً منك كما تعتقد.
وننبه الى أنَّه يمكنك تفسير أي موقفٍ تقريباً بأي عددٍ من الطرائق التي تذكر أنَّ معتقداتك تختلفُ عن الحقيقة، فمعتقداتك هي طريقة واحدة للتفكير حول الموقف أو مجموعة من الظروف، ونادراً ما تكون المعتقدات صحيحة أو خاطئة، ولكنَّها يمكن أنْ تكون مشجعة أو محبطة، أو أنْ تكون بناءة أو هدامة.
ونسألك: لمَ لا تستبدل بالمعتقد المحبط المثبط معتقداً أكثر إيجابيَّة؟ تأكد أنَّه ليس صعباً بالمطلق، شرط أنْ اكتشفت أفضل شيء في نفسك وآمنت به، ولحظتها سوف تفاجئ نفسك بأنَّك أنجزت هذا الشيء الذي تصورته صعب التحقيق.
وتذكر أيضاً أنَّك عند تصديك للأفكار السلبيَّة وتخلصك من معتقداتك غير المفيدة يمكّنك أنْ تنّمي ثقتك من خلال استبدالك هذه المعتقدات بمعتقدات أكثر إيجابيَّة.
مشكلتنا نحن العراقيين، أنَّنا ننظر للحياة من النصف الفارغ من الكأس من دون أنْ ننتبه أنَّ هذه تقود الى أنْ تضع العقل يمشي في سكة التوقعات السلبيَّة (مطبات، طسات، صعود مفاجئ ونزول خطر)؛ أعني أنَّها تخلينا (نبحوش) في نقاط ضعفنا وفشلنا في علاقاتنا مع الآخرين.
مثال ذلك أنَّ الذي ينظر الى الأمور من النصف الفارغ من الكأس، أنك إذا قلت لعراقيٍ آخر إنَّ المستقبل بالتأكيد سيكون أفضل فإنَّه سيردّ عليك (قشمر نفسك.. وعيونك نفس الطاس ونفس الحمام)، وهو بذلك يناقض العلم والرأي العام الذي يقول: "دوام الحال من المحال"، مع أنَّ هناك أكثر من دليلٍ يشير الى أنَّ الأمور تسيرُ نحو الأحسن، وسيكون الأحسن في أفضل حالاته حين ننظر جميعنا (من النصف الممتلئ من الكأس) ونحن نستقبل 2024.