سطورٌ في الذكرى 103 لتأسيس الجيش العراقي

ريبورتاج 2024/01/07
...

   الديوانية: عباس رضا الموسوي 

يعيش شعبنا العراقي الأبي هذا اليوم الذكرى 103 لتأسيس جيشه الأغر، والذي مر بمراحل تاريخية صنعت منه القوة العسكرية الفذة، التي تمتلك القدرة على مواجهة التحديات والأخطار على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث خاض العديد من المعارك دفاعًا عن القيم والمبادئ التي تأسس لأجلها، ومن اهم تلك المواجهات بطولاته التي سطرها في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948، ومشاركته في حرب 1973 إلى جانب مصر وسوريا والأردن، حيث ما زالت صفحات التاريخ العربي الحديث تضيء بها، وما زالت مقبرة مدينة جنين تحتضن أجساد شهداء الجيش العراقي، وغيرها من نزالات الشرف التاريخية عبر عقود من الزمن.

بداية التأسيس 

إن الضغط الجماهيري الهائل على الاحتلال البريطاني اضطره إلى تشكيل حكومة عراقية وطنية تفاديا لمخاطر الثورات، التي ذاق مرارتها وأدرك جديتها وعرفته بارادة هذا الشعب العظيم، وفي السادس من كانون الثاني سنة 1921 اعلنت هذه الحكومة التي يترأسها عبد الرحمن النقيب عن تأسيس نواة الجيش العراقي، وسمت جعفر العسكري وزيرا للدفاع، لتبدأ مرحلة جديدة في مسيرة العراقيين الذين اعتبروا هذا الجيش الحصن المنيع، الذي يحميهم من الاعتداءات الخارجية ويصون لهم كرامتهم الوطنية ويوحد صفوفهم خصوصا بعدما اخذ هذا التاسيس ينمو تدريجيا حيث اعلن في سنة 1924 عن تأسيس الكلية العسكرية التي خرجت العديد من القادة العسكريين، الذين عرفوا بعقيدتهم العسكرية وحنكتهم الإدارية، ومنهم من أصبح في ما بعد رئيسا للبلاد مثل  عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف واحمد حسين البكر، وكان تشكيل فوج الامام موسى الكاظم اول تشكيلات الجيش العراقي.


انتصاراته في جنين

لقد سجل يوم 5 آيار من سنة 1948 تحولات سياسية خطيرة في المنطقة العربية والعالم، حيث أعلن قيام الدولة العبرية على تراب فلسطين العربية، ضمن مخطط غربي يشوبه الخبث ليكون هذا اليوم المشؤوم هو اليوم الذي توجت فيه جهود الاستيطان اليهودي في التراب العربي الفلسطيني عبر عقود من الزمن، عندما أخذت الجمعيات والعصابات اليهودية تحث اليهود في العالم على الهجرة إلى فلسطين، لذا هبّت الجيوش العربية وابرزها الجيش العراقى والجيش المصرى والجيش السوري والجيش الاردني لإفشال تأسيس هذا الكيان الغاصب، واندلعت اشتباكات متفرقة سطر خلالها الجيش العراقي اروع ملاحم البطولة خصوصا في 3 حزيران عندما هزمت فلول العصابات الصهيونية، التي حاصرت طلائع الجيش العراقي في مخفر مدينة جنين الحصين، وتكبدت العديد من القتلى وغنم منها اكثر من 300 بندقية و10 مدافع وغيرها من أسلحة واعتدة من قبل الفوج الثاني من لواء المشاة الخامس، بقيادة المقدم الركن عمر علي الذي التف حول خطوط العدو في الأراضي الوعرة، وألحق به الهزيمة، ليفك الحصار عن القوات العراقية المحاصرة في المخفر، وفي اليوم نفسه وصل الفوج الاول من لواء المشاة الرابع لتكتمل القوة العسكرية العراقية، التي انتهت هجماتها الى طرد الصهاينة من مدينة جنين، حيث استقرت فلولهم في المرتفعات القريبة منها.


وقوفه إلى جانب الثورات

لقد كان الجيش العراقي خلال مسيرته العسكرية المشرفة الى جانب الشعب في تحقيق تطلعاته واحلامه الوطنية، مثلما كان السد المنيع الذي حافظ على وحدة التراب العراقي ودحر المعتدين، ومن أهم مشاركاته في الثورات التي اندلعت في العراق كانت في ثورة 14 تموز من سنة 1958، التي قام بها عبد الكريم قاسم وعدد من الضباط الكبار والجنود والتي انتهت بالقضاء على الحكم العسكري وقيام الجمهورية العراقية. وغيرها العديد من المواقف المساندة للثورات ذات الطابع الشعبي، والتي تعبّر عن تطلعات الشعب العراقي ورويته المستقبلية كشعب عربي له تاريخه العريق في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية بين شعوب المنطقة والعالم، خصوصا أن حضارة بلاد ما بين النهرين دلّت على وجود الجيش القوي الذي يعزز دعائم الحكم عبر العصور القديمة والحديثة، لذلك كانت ولم تزل العلاقة بين الشعب والجيش العراقي علاقة وطيدة مبنية على الثقة بالحس الوطني والقدرة على مواجهة الاخطار والتحديات مهما بلغت.


انتصاراته على داعش 

لقد كانت معركة تحرير الموصل من زمر داعش الارهابية، والتي سبقتها العديد من معارك التحرير أثرها الكبير في سمعة الجيش العراقي والقوات المساندة له من حشد شعبي وشرطة عراقية، خصوصا أن تقديرات مراكز الدراسات والبحوث في العديد من دول العالم المتقدمة، خمَّنت الفترة التي يحتاجها الجيش العراقي لتحرير الموصل أضعاف الفترة التي استغرقها، وخمنت التضحيات البشرية والمادية باضعاف ما قدم في هذه المعركة التاريخية، التي أذهلت العالم خصوصا وان هذا التنظيم الارهابي بات يتسع ويتمدد نفوذه إلى دول أخرى وسعى إلى تطبيق أحكام دولته الإرهابية بالقوة على السكان المحليين وأخذ بستثمر الموارد النفطية والاقتصادية لبناء قواته المسلحة، ويمتلك قادة قساة من مختلف بلدان العالم ، غير أن آلته العسكرية سحقت تحت أحذية الجنود العراقيين، الذين رفعوا علم العراق في ضفتي نهر الفرات، الذي يشطر مدينة الموصل الى شطرين لينهوا بذلك مرحلة تاريخية حرجة إن لم تكن أحرج المراحل، التي مر بها العراق في عهده الحديث.


المرأة في الجيش 

إن قانون خدمة المرأة في الجيش العراقي المرقم 131 لسنة 1977 يجيز لها مشاركة الرجال في الدفاع عن الشعب والوطن، من خلال تحمل المسؤولية العسكرية المناطة بها لذلك نجد للمرأة مكانتها في القوات المسلحة العراقية، وفي مجالات عديدة وبرتب مختلفة خصوصا تلك المواقع الادارية والفنية .

وقد بات من المألوف أن تجدها بزيّها العسكري في مختلف المؤسسات مثل المطارات والمستشفيات العسكرية ودوائر الأحوال المدنية وغيرها من المؤسسات العسكرية والحكومية، بل إن البعض من النساء اللواتي يتمتعن بمهارات عالية تمكن من الحصول على أفضل الجوائز، التي تمنح في وزارتي الدفاع والداخلية.

وبالعودة إلى التاريخ العربي والإسلامي فإن المرأة لازمت الرجل في حروبه، وكانت تقدم الخدمات الضرورية للجنود اثناء خوضهم الحروب، ومن ذلك التضميد واعداد الطعام ورفع الهمم وغيرها من مشاركات ضرورية حدثنا عنها التاريخ العربي 

والإسلامي .


المؤازرة الشعبيَّة للجيش 

إن من بين الأسباب التي جعلت الجيش العراقي يحظى، بكل هذه المؤازرة الشعبية والدعم غير المحدود من قبل الشعب تكمن بدفاعه الشديد عن مصالح الأمة وحماية سيادتها الوطنية ومواجهة أعدائها، لذلك سمي (سور الوطن)، إضافة إلى أن أبناء القوات المسلحة العراقيَّة ضباطا وجنودا هم أصلا أبناء الشعب العراقي، الذي وجدوا الرغبة في الانخراط في صنوف الجيش المتعددة والمنزوية في القوات البرية والجوية والبحرية، كما أن الانتصارات التي حققها الجيش العراقي خلال مسيرته العسكرية البطولية زادت من ثقة الشعب العراقي به ووسعت من رقعة المؤازرة الشعبية له. 

من هنا نجد أن الاحتفال بالذكرى السنوية لتأسيس الجيش العراقي، التي تمر علينا في السادس من كانون الثاني من كل سنة تعد بمثابة الفرحة العارمة، التي تدخل بيوت العراقيين من شمال البلاد إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.