العزلة الاجتماعيَّة تؤدي إلى نتائج صحيَّة خطيرة

علوم وتكنلوجيا 2024/01/07
...

 كريستين روجرز

 ترجمة: بهاء سلمان


إذا كنت وحيداً أو معزولاً اجتماعياً، فقد تكون أكثر عرضة للوفاة المبكرة، وفقاً لدراسة كبيرة. وكانت هناك العديد من الدراسات حول الارتباطات بين العزلة الاجتماعيَّة والشعور بالوحدة وخطر الوفاة المبكرة، لكنَّ بعض النتائج كانت مثيرة للجدل أو مختلطة، وفقاً لبحثٍ نشرته إحدى المجلّات العلميَّة المتخصصة خلال شهر حزيران الماضي. 

وقال "تورهان كانلي"، أستاذ علم الإعصاب التكاملي في قسم علم النفس بجامعة ستوني بروك في نيويورك، الذي لم يشارك في البحث، إنَّ هذه النتائج المتضاربة قد تكون بسبب الأبحاث التي تركّز فقط على مجموعة أو منطقة 

معينة. ومع ذلك، فإنَّ هذا البحث عبارة عن تحليلٍ لاحقٍ لـ 90 دراسة بحثت في الروابط بين الوحدة والعزلة الاجتماعيَّة والموت المبكر بين أكثر من مليوني بالغ. 

وتمّت متابعة المشاركين في الدراسة لمدة تتراوح بين ستة أشهر إلى 25 عاماً. كان الأشخاص الذين عانوا من العزلة الاجتماعيَّة أكثر عرضة بنسبة 32 بالمئة للوفاة المبكرة لأي سببٍ مقارنة بأولئك الذين لم يكونوا معزولين اجتماعياً؛ وكان المشاركون الذين أبلغوا عن شعورهم بالوحدة أكثر عرضة للوفاة المبكرة بنسبة 14 بالمئة من أولئك الذين لم يفعلوا ذلك.


عواقب مخيفة

وتقول "جوليان لونستاد"، أستاذة علم النفس وعلم الأعصاب بجامعة بريجهام يونج بولاية يوتا، والتي لم تشارك في الدراسة، إنَّ البحث "يمنحنا ثقة أكبر" بشأن أهميَّة العزلة الاجتماعيَّة والشعور بالوحدة كعوامل خطرٍ مستقلة للوفاة المبكرة. وشغلت لونستاد رئيس العلماء في التقرير الاستشاري الخاص بطب الجراحة العامة الأميركيَّة حول العزلة الاجتماعيَّة والوحدة الصادر شهر أيار الماضي. وتحدث العزلة الاجتماعيَّة، كما حددتها الدراسة، عندما يكون لدى شخصٍ ما نقصٌ موضوعيٌ في الاتصال مع الآخرين، ويمكن أنْ تنطوي على وجود شبكة محدودة أو العيش بمفرده. من ناحية أخرى، تشير الوحدة إلى الضيق الشخصي الذي يشعر به الناس إذا كان هناك تناقضٌ بين نوعيَّة العلاقات الاجتماعيَّة التي لديهم بالفعل وبين ما يريدون، وفقاً للتحليل اللاحق. ويقول "أنتوني أونج"، أستاذ علم النفس ومدير مركز العلوم التنمويَّة التكامليَّة ومختبرات الصحة البشريَّة بجامعة كورنيل، إنَّ أي شخصٍ يمرُّ بهذه الحالة قد يشعر أنَّ علاقاته غير مرضية إذا لم يلب احتياجاته للتواصل أو العلاقة الحميمة".

تقول لونستاد عبر البريد الالكتروني: "يقضي الأميركيون المزيد والمزيد من الوقت في عزلة، ومع ذلك لا نرى في ذلك خطراً، خاصة إذا كان ذلك بمحض اختيارنا. يفترض الناس أنَّ الأمر اعتيادي، وربما يكون من الجيّد بالنسبة لنا أنْ نكون منعزلين إذا لم نشعر بالوحدة. ومع ذلك، فإنَّ هذه البيانات تؤكد وتتوسع في البيانات السابقة التي توثق المخاطر المرتبطة بالعزلة الاجتماعيَّة بغض النظر عن الشعور بالوحدة".


الشعور بالوحدة والعزلة في الجسم

يقول كانلي إنَّ العزلة الاجتماعيَّة أو الوحدة يمكن عدّها شكلاً من أشكال التوتر. "قد نشعر جميعاً بالوحدة من وقتٍ لآخر، ولكنْ عندما يكون هذا الشعور دائمياً، فقد يكون بمثابة شكلٍ من أشكال التوتر المزمن، وهو أمرٌ غير صحي. إحدى الطرق التي قد يحدث بها ذلك هي من خلال هرمونات التوتر التي تؤثر سلباً في الجسم". وبحث مؤلفو الدراسة أيضاً في الروابط بين الوحدة والعزلة الاجتماعيَّة والوفاة بين الأشخاص المصابين بأمراض القلب والأوعية الدمويَّة أو سرطان الثدي أو القولون والمستقيم، إذ أظهرت الدراسات السابقة أنَّ العلاقة بين الدعم الاجتماعي والصحة يمكن أنْ تكون مسألة دجاجة وبيضة. "ما قد يؤدي إلى حلقة مفرغة حيث يؤدي سوء الحالة الصحيَّة إلى فقدان المرضى للدعم الاجتماعي.. بمرور الوقت، لكنَّ المرضى يميلون إلى الحاجة إلى الدعم الاجتماعي أكثر من عامة السكان"، وفقاً للدراسة.

وكان المشاركون الذين كانوا معزولين اجتماعياً ويعانون من أمراض القلب والأوعية الدمويَّة أكثر عرضة للوفاة مبكراً من أولئك الذين لا يعانون من المرض. وكان الأشخاص المعزولون اجتماعياً المصابون بسرطان الثدي أكثر عرضة للوفاة بسبب المرض مقارنة بأولئك الذين لم يكونوا معزولين اجتماعياً. وشير كانلي إلى أنَّ الوفاة المبكرة لأي سبب أو بسبب أمراض القلب والأوعية الدمويَّة قد تكون مرتبطة أيضاً بسلوكيات نمط حياة الناس: "الأشخاص الذين يشعرون بالعزلة الاجتماعيَّة أو الوحدة يميلون إلى اتّباع عادات غير صحيَّة، مثل التدخين أو تعاطي الكحول أو اتّباع نظام غذائي سيئ أو ممارسة القليل من التمارين 

الرياضيَّة".

يقول الخبراء إنَّ هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تسهمَ في أنْ يكون للعزلة الاجتماعيَّة تأثير أقوى على خطر الوفاة المبكرة من الشعور بالوحدة. يقول المؤلف الأول للدراسة "فان وانغ"، أستاذ علم الأوبئة في جامعة هاربين الطبيَّة في الصين، إنَّ "الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة ولكنهم غير معزولين اجتماعياً يعانون من ضغوط الصحة العقليَّة، ولكنهم قد يكونون قادرين على التكيّف معها بسبب شبكاتهم الاجتماعيَّة حتى لو لم تكن تلك الشبكات تماماً كما يريدها شخصٌ ما أنْ تكون".


توسيع الروابط الاجتماعيَّة

وقال وانغ إنَّ الأشخاص الذين يعانون من العزلة الاجتماعيَّة والوحدة يجب أنْ يسعوا بنشاطٍ للحصول على الدعم الاجتماعي. أما كانلي فيقول: "فكر في إدامة أيَّة شبكة اجتماعيَّة مثل أي نشاط آخر يعزز الصحة: ممارسة الرياضة بانتظام، وتناول الطعام بشكل جيد، والاعتناء بنفسك. إجعل تنمية علاقاتك الاجتماعيَّة أولويَّة من خلال عدم قصر الوقت الذي تقول فيه "مرحباً" لشخصٍ ما على العطلات فقط، أو من خلال التفكير في طرقٍ للمشاركة في الأنشطة التي قد تعرّضك لدوائر جديدة من الأشخاص ذوي التفكير 

المماثل.

وكالة سي أن أن الاخباريَّة الأميركيَّة