وليد خالد الزيدي
الزراعة من أهم المهن الاقتصادية في العراق، بشقيها الحيواني والنباتي، ومصدر أساس للغذاء، فضلاً عن توفيرها فرص عمل لعدد كبير من السكان، لاسيما أولئك المعنيين بهذا القطاع كالفلاحين والمهنيين من خريجي المدارس والمعاهد والكليات الزراعية، ولو عدنا إلى عقود السبعينيات والثمانينيات، لوجدنا أن عدد العاملين فيه قد قارب المليون شخص، وذلك قبل أن تتردى أوضاعه في الفترات اللاحقة، لاسيما أعوام التسعينيات والحصار الاقتصادي، ولأسباب عدة أهمها هجرة سكان الريف إلى المدن، ومعظمهم من الفلاحين، وضعف خطط مكافحة التصحر والزحف الصناعي على المساحات المستهدفة للزراعة.
وهنا لابد من التسليم بأن إعادة إحياء هذا القطاع يمكن أن تلوح في الأفق القريب، ليعود إلى سابق عهده ويظهر إلى الواجهة مرة أخرى، لجملة عوامل، منها أنَّ الأراضي الصالحة للزراعة في العراق تشكِّل قرابة (17 %) من مساحته الكلية، وهي نسبة جيدة مقارنة بالكثير من الدول التي تعتمد على قطاع الزراعة في اقتصادياتها، وكذلك البرامج الحكومية التي وضعت بهدف النهوض به وتفعيل مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وصعود خطط التنمية في البلاد، مما يجعل تلك التوجهات أهم مظاهر الاستقرار ومعالجة الكثير من الاختلالات التي قد تحدث في فترة وأخرى في نمط الاقتصاد الوطني لكونه يعتمد أصلا على القطاع النفطي.
إن مغادرة النظرة إلى القطاع الزراعي كقطاع ثانوي وليس أساسيا، هي خطوة واعدة ليأخذ دوره الحقيقي في مستقبل التنمية الاقتصادية الواعدة، وإن توجهات وزارة الزراعة والسعي لإقرار قانون خاص بالاستثمار الزراعي، من المعطيات المحفزة لاستنهاضه, فضلا عن استحداث صندوق خاص لتمويل المستثمرين في هذا المجال، ما يضمن تنفيذ مشاريع عديدة لزراعة مساحات تقدر بمئات الآلاف من الدوانم، أكدت عليها الوزارة لإنتاج محاصيل ستراتيجية بطرق حديثة وتقنيات متطورة، فضلا عن زيادة المشاريع الخاصة بالثروة الحيوانية وتنميتها، لاسيما في مجال الحقول الخاصة بتلك الثروة، بما يتماشى مع توجيهات رئاسة الوزراء، الساعية لتقديم تسهيلات تفعيل تلك المشاريع من خلال التعامل مع المستثمرين الجادين الذين يمتلكون القدرة على العمل، وتتوفر فيهم روح الالتزام بشروط الفرصة الاستثمارية، وممن لديهم الرغبة الجادة في التعاون مع الدولة لتنفيذ تلك المشاريع بما يحقق جدواها الاقتصادية السليمة.
التحولات في مسارات الاقتصاد العالمي، لاسيما أثناء الأزمات والحروب والتقلبات السعرية في المنتجات الستراتيجية كالنفط والغاز والحبوب، تجعلنا أمام مسؤولية كبيرة هي البحث عن عوامل إضافية داعمة لاقتصادنا الوطني الريعي المعتمد على القطاع النفطي باعتباره المورد الرئيسي للمسيرة التنموية في العراق، فالقطاع الزراعي هو أهم العوامل التي تهب العراق عنصرا أساسيا في الخلاص من تلك الأزمات، لكنه يحتاج إلى جملة مقررات خاصة بالاستثمار والتغلب على المخاطر التي تعيق تنفيذه بشكل صحيح، لكي يصبح واقعا ملموسا يأخذ مداه الواسع وأفقه البعيد، حتى يكون ذا فاعلية إيجابية في خطط التنمية الشاملة وركيزة مهمة لتنمية بقية القطاعات والنشاطات، كالصناعة والتجارة، فضلا عن الإسكان والعمل والبيئة والنقل ومجالات أخرى.
وهناك قضية أخرى لا تقل أهمية عما سبق ذكره، هي أن تنمية القطاع الزراعي ترتبط بشكل وثيق بالأمن الغذائي، وإسهامه بتخفيف وطأة الفقر والحد من البطالة، فضلا عن تقليص حجم الاستيراد، لكي لا يكون بلدنا مستهلكا فقط، بل يكون منتجا أو مصدرا لمحاصيل محلية، بما يمكن أن يعزز استقرار المجتمع ويجعله أكثر أماناً واطمئناناً تجاه قوته اليومي.