ماذا عن ثقافة عام مضى؟
صلاح حسن السيلاوي
أحلام كثيرة، ومشاريع متعددة، خرائط رسمها مثقفون لخطواتهم المستقبلية، وشرفات عالية، بنتها رؤاهم ليطلوا على ما قدموه في عام مضى، ويشرفوا على ما يخططون لتنفيذه في عام مقبل، مؤسسات صرح مسؤولوها عن أعمال تم تنفيذها، وأخرى يراد لها أن تنفذ، آراء هنا وهناك، عن العمل الثقافي بكل تنوعه، على مستوى الأفراد والجماعات، نوردها عبر التساؤلات التالية ومنها: بمَ من الآراء تودع عام 2023، وبم تستقبل عام 2024؟ ما رأيك ما قدم من منجز إبداعي في العام الماضي على مستوى الأفراد والمؤسسات، دولة وجهات مستقلة؟ ما الذي يحتاجه المشهد الإبداعي من دعم وبنى تحتية؟ وما الذي تقترحه لعام 2024؟ هل اختلفت السنة الماضية عن التي قبلها ثقافياً؟ ما تقييمك لفعاليات اتحاد أدباء العراق ونقابة الفنانين وغيرها من المؤسسات؟ ما الأفكار التي يمكن أن يحققها هذا المشهد ليزداد تطورا؟ ما تقييمك لما قدم من دراما ومسرح وشعر وسرد وفكر ونشر للكتاب؟
تقدم ملحوظ
الشاعر الدكتور عماد الحيدري، ودّع العام المنصرم برجاء أن يحمل معه خيباته وانكساراته، واستقبل العام الجديد برجاء، أن يأتينا حاملًا معه بشائر الخصب وغيوث النماء، لثقافتنا التي يكاد ينفرط عقدها، وتتشتت كلمتها، تحت رايات المتطفلين وجيوش المدعين لكي يعود إليها بريقها وتشرق شموسها، في بلادٍ كانت تسمى مهد الحضارات ومنبع الفكر والثقافة .
وأشار الحيدري بإجابته، إلى تقدم ملحوظ في المنجز الإبداعي للعام الفائت، على المستوى الفردي لا المؤسساتي، لافتا إلى أن المؤسسات الثقافية ما زالت غير قادرة على توفير المناخ الملائم للمبدعين لكي يقوموا بدورهم الإبداعي، كونها تفتقر إلى البرامج والخطط الكفيلة بتوفير تلك الأجواء، التي تدفع بالأديب والفنان والمثقف والمفكر إلى مواكبة عجلة الإبداع العالمي، وتسخير طاقاته للنهوض بالمنجز العام، لذا يؤكد الحيدري ممارسة المبدعين لهذه المهمة بجهودهم الذاتية .
وأضاف مبينا: إن المشهد الثقافي بحاجة إلى دعم حكومي، يوازي أو يضاهي الدعم المقدم لقطاع الحماية الاجتماعية، ومحاربة الفقر والبطالة، مثلًا لأن دعم الثقافة سيؤدي إلى بناء الإنسان من الجانب الفكري، كما يسهم الخبز في إشباعه من الناحية المادية، هذا إذا فهم الذين يتحكمون بزمام الأمور الدور الكبير للأدب وللفنون في حياة الشعوب، فالمسرح مثلًا كان يعده «برناردشو» العلاج الأنجع لأمراض المجتمع.
والشعر الذي يحاكي الأحداث والواقع، هو الذي يقوم بمعالجة القضايا الاجتماعية عبر توظيف القيم ونشر الفضائل، وهكذا فإن الدعم سيؤدي إلى هذه الغاية المنشودة.
خطوات واثقة
ثم تحدث الحيدري عن رأيه بما يقدمه اتحاد أدباء العراق بقوله: أما اتحاد الأدباء والكتاب في العراق دونًا عن غيره من المؤسسات الثقافية، فإنه بدأ بدورته الجديدة، يخطو خطوات واثقة على الطريق الصحيح، وإن كانت لا تلبي مستوى طموحاتنا، ولكنه في هذه السنة أفضل من سابقاتها، ونأمل أن تكون السنة القادمة أكثر إبداعًا وإشراقًا.
أدعو الهيئة الإدارية لاتحاد الأدباء العام، إلى الانفتاح أكثر على فروع الإتحاد في المحافظات، لصناعة ثقافة عراقية عابرة للتهميش، رادمة للهوة التي صنعتها الدورات السابقة، وإني لأرى أن ثمة نوايا حسنة أبدوها في هذا السياق .
بخصوص الدراما والمسرح، فإني لست مؤهلًا لتقييمهما على وجه النقد الفني، ولكن على سبيل المتابعة فإني أراهما غائبين عن المشهد، إلا ما كان يطفو على السطح من دراما باردة يتم فيها اجترار الأفكار والموضوعات وحتى الوجوه.
في ما يخص الشعر والسرد، أراهما بخير مع تحفظي على الكيفية التي تقام فيها الفعاليات الشعرية والسردية، ليقيني بأنها لن تقدر على صناعة مشهد ثقافي كبير.
مقبوليَّة الثقافة لدى المجتمع
الشاعر مصطفى الركابي، يرى أن الأعوام تمثل أُطرا زمنيةً، يتعاقب فيها الليل والنهار، تتشابه في مناخاتها وأوقاتها أحيانا ، لكن الذي يجب أن يتغير ويغيّر هو ذلك المتحرك داخل هذه الأُطر، ويقصد به الإنسان.
وينظر الركابي إلى الموضوع من زاوية روحية عرفانية، تفضي إلى أن انقضاء العام، يمثل نقصا في رصيد الإنسان، كالموظف الذي أخذ إجازة وشارفت أيامها الأخيرة على الانتهاء، وأضاف موضحا، يقول الحسن البصري: (يا ابن آدم إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم، ذهب بعضك) أما إذا نظرنا للموضوع من زاوية أخرى، فبين انتهاء عام وبداية عام، هناك تجارب وطموحات وأماني ننتظر تحققها إن شاء الله تعالى.
المشهد الثقافي العراقي بصورة عامة، لا يشكو الركود أو الجمود على المستوى الأدبي والفني والمسرحي والدرامي، لكن السؤال الأكثر تداولا وإلحاحا هو: هل يوجد إنتاج ثقافي أو إنتاج أدبي أو مسرحي أو درامي؟
وأظن أن جوابه يتضح في تتبع الظواهر الثقافية في المجتمع، ومدى تأثير، هذا المنجز أو ذاك في الشارع العراقي ، ويحضرني هنا قول درويش: (قصائدنا بلا لون بلا طعم/ بلا صوت/ إذا لم تحمل المصباح من بيت إلى بيت/ وإن لم يفهم البُسَطا معانيها/ فأولى أن نذريها ونخلد نحن للصمت) لذا فالإنتاج الإبداعي أياً كان، يقاس بمدى مقبوليته ورسوخه في وعي المجتمع والجمهور.
حاجات المشهد الإبداعي
كما تحدث الركابي، عما يراه من حاجات المشهد الثقافي، التي تمكنه من تقديم منجزات تليق به، فقال: المشهد الثقافي يحتاج الكثير لينهض بما يليق به، ليمثل الصورة الحضارية والمدنية لهذا البلد، ابتداءً بالدعم المعنوي والمادي والاهتمام بالمثقف والأديب والفنان من قبل الجهات الحكومية، كي يشعر بأهميته في التغيير وعدم تهميشه واقصائه، وتهيئة كل الإمكانيات المادية، لكي يمارس دوره، كأديب وفنان ومسرحي، فالمشهد الثقافي، نواته الأديب والمثقف، وحين يشعر بالاغتراب، تحصل فجوة بينه وبين المجتمع والمؤسسة التي تمثله، مما يؤثر في المشهد بصورة كلية، كذلك فإن أغلب النقابات والإتحادات تشكو من عدم وجود أماكن لائقة تقيم فيها فعالياتها ونشاطاتها ، لذا من الواجب على الجهات الحكومية، أن تولي أهمية لموضوع بناء مقرات، وترميم دور المسرح التي أهملت وأصبحت أطلالا.
لقد اختلفت السنة عن التي قبلها ثقافيا، فقد شهد هذا العام أنشطة أدبية وفعاليات ومهرجانات متعددة، كان أبرزها مهرجان كربلاء الشعري الأول، الذي استضيف فيه أدباء الوطن في شهر تشرين الثاني 2023، ومشاركة منشورات اتحاد الأدباء في العراق في معارض محلية وعربية، مما يعطي تصورا جيدا عن الفعل الثقافي وحركيته.
من خلال متابعتي لنشاطات اتحاد أدباء العراق، لاحظت أنه يقوم بدوره الإنساني في رعاية الأدباء معنويا، من خلال متابعتهم والسؤال عنهم وزيارة المرضى، كذلك الدعم الذي يقدمه لمنشورات أعضائه من طباعة ونشر وفعاليات ثقافية ومهرجانات أدبية، وأتمنى أن تكرر تجربة دار الشؤون الثقافية للعام 2020، عندما خصصت أرقاما للتواصل مع الأدباء وتوفير ما يطلبونه من كتب مجانا.
تنشيط أدب الطفل
الشاعر أسامة القيسي، ودّع عام 2023، واستقبل عام 2024 بمجمل من الآراء أهمها:
1 - العمل على تنشيط أدب الطفل في اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، وبقية اتحادات الوطن، وذلك من خلال تخصيص مهرجان خاص لأدب الطفل، الذي من شأنه رفع مستوى الثقافة، لدى الأطفال الذين هم البذرة، التي يجب أن تسقى بشتى أنواع الفنون.
2 - يجب على اتحاد الأدباء والكتاب ووزارة الثقافة تفعيل نظام الحماية الفكرية، من خلال نظام عمل يحمي الأعمال الأدبية من الضياع.
3 - الحد من دكاكين النشر والطباعة، التي ساهمت مساهمة فاعلة في انتشار التفاهة والترهات على أنها شعر أو سرد.
وقال القيسي مضيفا: المنجز الإبداعي الذي تم تقديمه خلال هذا العام الكثير منه ما كان مهما ومنه ماكان إعلاميا أكثر مما هو إبداعي ولكن مايهم الساحة الأدبية في العراق خاصة هو النوع لا الكم وكما أشرت سابقا على الدولة والمؤسسات ذات الشأن بالحد من دكاكين الاستنساخ المسماة زورا دور نشر.
المشهد الثقافي العراقي يحتاج الكثير من الدعم أولا تخصيص تقويم خاص للمهرجانات والمؤتمرات التي تقام حتى لا يتشتت العمل الإبداعي في شهر أوشهرين ثانيا تخصيص مقرات حقيقية تليق بالمثقف العراقي في كل محافظة.
ثالثا/ أدعو الحكومة العراقية وعلى جميع المثقفين العراقيين يطالبون بذلك هو فتح دار أوبرا في بغداد لتكون رمزا آخرا يضاف لمعالم بغداد
رابعا تخصيص قناة تلفزيونية خاصة لنقل المهرجانات الأدبية ببث مباشر، وكذلك نقل الأمسيات الأدبية والفنية التي يقيمها المثقف العراقي على مدار الأسبوع، وبهذا سيكون للمثقف العراقي، وقد يكون الأول من نوعه قناة مخصصة للأدب في العراق والعالم.
أنا عراقي أنا أقرأ
وعن رأيه باختلاف عام 2023 عما سبقها تحدث القيسي موضحا: اختلفت السنة الماضية عن سابقتها اختلافا كثيرا، وذلك من خلال عودة المهرجانات الأدبية للساحة بعد توقفها بسبب وباء كورونا وعدم دعمها، وكذلك تم افتتاح متحف الأدباء في اتحاد الجواهري، والأسبوع الأدبي، ودعم مهرجان «أنا عراقي أنا أقرأ»، وهذا يعد مثالا حيا للسير حثيثا في رفد الثقافة العراقية.
تقييمي لفعاليات اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، ونقابة الفنانين العراقيين، إن هذه الفعاليات تعد الخطوة الأولى التي من الممكن أن تسبق الزمن، وتعيد تسيد العراق على الساحة الفنية والأدبية.
وفي ما يخص الأفكار التي من الممكن تحقيقها سأوجز القول ببعض منها: عمل ورش خاصة في مجالات اللغة، وكيفية تطوير الكتاب في مجال الكتابة الإبداعية.
ومفاتحة وزارة التعليم العالي، لتخصيص درس خاص في الأدب العراقي المعاصر شعرا ونثرا، ومنح الأديب العراقي الموظف إجازة كتابة إبداعية كل خمس سنوات، ثلاثة أشهر تفرغا للعمل الإبداعي، وإعطاء الأديب العراقي مقعدا خاصا في كلية الآداب لدراسة اللغة العربية وآدابها.
من جانب آخر، لا يمكنني أن أعطي تقييما كاملا، لما قدم من دراما ومسرح وشعر وسرد، ولكن كمتابع للشأن الثقافي، لذا يمكن أن يكون التقييم ليس بالمستوى المطلوب دراميا ومسرحيا، ولكن على مستوى الشعر والسرد والفكر ونشر الكتاب، أنتج الأدباء العراقيون الكثير من الكتب، ذات الأهمية الكبيرة، حتى أغنت الساحة العراقية عما كُتب خارجه.
برامج غائبة وإعلان كلاسيكي
الشاعر عقيل أبو غريب، طالب المؤسسات الثقافية، ابتداءً من وزارة الثقافة، بكل فروعها الفنية والمسرحية والسينمائية، وتلك التي تعنى بالكتاب كدار الشؤون الثقافية، أن تعمل على تقديم برنامج ثقافي، وفني لعام كامل، تعلن عن سعيها لإنجازه بداية كل عام، ثم تعلن عما حققته منه نهاية كل عام، وهذا المطلب كما يريده أبو غريب، يمكن أن يكون وسيلة عالية الشفافية، للعمل الثقافي، الذي يراه قابلا للتطبيق، من قبل كل المؤسسات الثقافية، ومنها اتحاد أدباء العراق، ونقابتا الفنانين والصحفيين أيضا.
وأشار أبو غريب، إلى أن هذه المؤسسات، غالبا ما تقدم فعاليات غير معلن عنها، بفترات زمنية مناسبة، ما يوحي بأنها أعمال وليدة الارتجال الإداري، وهذا يسبب مشكلات في التلقي، فالجمهور يحتاج وقتا مناسبا، لمعرفة تواريخ الفعاليات قبل إقامتها.
وأضاف مبينا: غالبا ما نتحدث أن الجمهور الثقافي يغيب عن فعالياتنا، إلا أننا في حقيقة الأمر، لا نعمل على الاهتمام جديا بهذا الجمهور، فالإعلان عن الفعاليات، يقتصر على النخب غالبا، وفي أوقات قصيرة، ما يجعل الأمر يشبه عملية إسقاط الفرض، وهذه مشكلة كبرى، تسهم بعدم تطوير وصناعة جمهور ثقافي، كما تسهم بتضييق جمهور النخبة نفسه، فالنخبة أحيانا لا تعلم بتوقيتات بعض الفعاليات الثقافية، بالإضافة الى ذلك، فإن نوع الاعلان عن الفعاليات، ما زال مقتصرا على الطريقة الكلاسيكية، التي لا تحفز أحدا من خارج النخبة على الحضور، أجد أن موضوع البرامج الثقافية وإعدادها بشكل متميز، وكذلك التفكير الجدي بتغيير أساليب الاعلان، بات أمر ضروري
جدا.