ريمي تومين وجنيفيف جلاتسكي
ترجمة : بهاء حسن
عندما قامت سفينة سان خوسيه برحلتها الأخيرة من إشبيلية، إسبانيا، إلى الأمريكيتين سنة 1706، كانت السفينة الشراعية الإسبانية تعتبر واحدة من أكثر الآلات المشيّدة تعقيدا على الإطلاق.
ولكن في لحظة، تحولت سفينة الشحن المسلحة من مثال رائع للهندسة المعمارية البحرية إلى ما يعتبره الباحثون عن الكنوز «الكأس المقدسة» لحطام السفن. إذ تم تدمير السفينة نتيجة لكمين نصبه البريطانيون عام 1708 في ما يعرف باسم «عملية الرهان»، فغرقت قبالة سواحل قرطاجنة بكولومبيا، ومعها كمية كبيرة من الذهب والمجوهرات وبضائع تصل قيمتها إلى نحو 20 مليار دولار حاليا.
ويقول بعض الخبراء أن هذا الرقم مبالغ فيه بشكل غير عادي؛ غير أن الأسطورة التي بنيت حول سان خوسيه دفعت الحكومة الكولومبية إلى الحفاظ على سرية موقعها الدقيق كمسألة تتعلّق بالأمن القومي.
الآن، يريد الرئيس الكولومبي،»غوستافو بيترو»، تسريع خطة لانتشال السفينة ومحتوياتها إلى السطح، والجميع يريد قطعة منها. وقد وجه الرئيس وزارة الثقافة الكولومبية لإنشاء شراكة بين القطاعين العام والخاص لاستعادة السفينة، مع التركيز على انتشال جزء من السفينة على أقل تقدير بحلول نهاية فترة ولايته الأولى في عام 2026.
وصرّح «خوان كوريا»، وزير الثقافة، للصحافة إن الحكومة تخطط لفتح عملية تقديم العطاءات خلال ثلاثة إلى أربعة أشهر. وأضاف أن الحكومة تدرس أيضا بناء متحف ومختبر لدراسة وعرض محتويات السفينة؛ وذكرت شركة بلومبيرغ، المتخصصة بالخدمات الاعلامية والمالية، في وقت سابق أن هناك حاجة ملحة لتجديد الخطط.
ولكن بعد مرور أكثر من ثلاثمئة عام على غرق السفينة، فإن خطة جلب سان خوسيه إلى السطح محفوفة بالصراع. وقد أدان علماء الآثار والمؤرخون هذه الجهود، معربين عن رأيهم بإن إزعاج السفينة من شأنه أن يحدث ضررا أكثر من النفع المتوقع. وقد طالبت أطراف متعددة، بما في ذلك كولومبيا وإسبانيا، بالسيادة على سان خوسيه ومحتوياتها. وتقول مجموعات السكان الأصليين والأحفاد المحليين للمجتمعات الأفريقية الكاريبية بوجود استحقاق لهم يؤهلهم الحصول على تعويضات لأن أسلافهم استخرجوا الكنز.
حقوق الاكتشاف
ولعل الصراع الأكبر والأكثر ديمومة هو بين يدي محكّم دولي في لندن. وقد تشابكت هذه المسألة عبر عملية قانونية منذ العام 1981، عندما ادّعت مجموعة بحث تدعى «غلوكا مورا» باكتشافها موضع سفينة سان خوسيه. ووفقا لوثائق المحكمة، سلّمت المجموعة ما توصلت إليه من معلومات إلى الحكومة الكولومبية على أساس أنها تستحق نصف الكنز. ومن بين الاكتشافات الأخرى قطع خشبية، بحسب وثائق المحكمة. ويشير فحص عمر الخشب بواسطة الكاربون إلى أن عمر الخشب كان على الأرجح ثلاثمئة سنة.
ومع تغيّر القوانين الكولومبية، وجدت مجموعة غلوكا مورا نفسها تدافع عن حقها في الكنز لعقود من الزمن. وتفاقم الصراع سنة 2015 عندما قالت الحكومة الكولومبية إنّها عثرت على حطام السفينة في موقع مختلف، وهو موقع تقول مجموعة «ارمادا لبحوث البحار» إنه يقع على بعد ميل أو ميلين من إحداثياتهم.
وأصدر «رحيم مولو»، المحامي الذي يمثل المجموعة، بيانا أكد فيه إن مجموعة ارمادا الاستثمارية الأميركية تقف ضد تغيير قوانين سنة 2020، الذي «حوّل من جانب واحد كل شيء على متن السفينة إلى ممتلكات حكومية». وأشار إلى إنه إذا كانت كولومبيا «تريد الاحتفاظ بكل شيء في سان خوسيه لنفسها، فعليها تعويض عملائنا لأنهم من عثروا عليها في بادئ الأمر.» وتطالب المجموعة بما قيمته عشرة مليارات دولار من الكنز. وما يقبع في الأسفل يبقى شيئا يكتنفه الغموض بعض الشيء.
ولأجل الحصول على أدلة، بحث المؤرخون في السفينة الشقيقة لسان خوسيه، سان خواكين، التي كانت تبحر بجانب سان خوسيه أثناء غرقها. فقد غادرت سفينة سان خواكين إسبانيا بحمولة 17 طنا من العملات المعدنية من بيرو، من بين أشياء أخرى. يقول كوريا: «لا نعرف ما هو وضع الحمولة بعد استقرارها لثلاثة قرون مغمورة بالمياه،» مؤكدا أن الحكومة ستقوم بتقييم بعض القطع في البداية قبل الشروع في عملية التنقيب الكاملة؛ وأضاف مسترسلا: «إنها قطع ذات أهمية ثقافية كبيرة يمكن أن تعطينا وصفا لماضينا الاستعماري.»
ونتيجة لوقوع حطام السفينة تحت عدة مئات من الأمتار العميقة تحت سطح البحر، و»لا يمكن للحياة البشرية أن تصل إلى هناك،» فإن أي نوع من امكانية الاسترجاع سيستلزم استخدام غواصات وروبوتات تعمل تحت الماء»، بحسب الوزير كوريا.
اعتراض مبرر
لكن «ريكاردو بوريرو»، عالم الآثار البحرية في بوغوتا، والذي كتب بحثا سيصدر قريبا عن سفينة سان خوسيه، يقول إن أي نوع من الإزعاج لذلك الحطام سيكون «غير حكيم» ومتطفلا، وسيحمل مخاطرة أكثر من المكافأة. ويضيف: «حطام السفينة يكمن هناك لأنه وصل إلى حالة التوازن مع البيئة منذ ثلاثمئة سنة.»
وأكّد الآثاري المتمرّس ان فحص مسار سان خوسيه وتقدير سرعتها والخرائط البارومترية للمنطقة تشير إلى أن السفينة تقع على عمق يتراوح بين 200 و700 متر تحت السطح، غير إن الصور التي تم التقاطها أثناء عمليات الغطس الحكومية المختلفة تظهر وجود حياة بين الحطام، بما في ذلك الأسماك، ما يشير إلى أن الضوء قادر على اختراق العمق الذي يمكن أن تحصل فيه عملية التمثيل الضوئي. «الحياة هي الدليل على أنها ليست عميقة كما يقولون،» بحسب بوريرو، موضحا أن التقديرات التي تشير إلى أن قيمة الكنز تصل إلى عشرين مليار دولار أمر مشكوك فيه، وأن قيمته «مبالغ بها بشكل مفرط». إذ تظهر الوثائق التاريخية من سان خواكين أن السفينة كانت تضم بضائع «أقل بكثير» على حد قوله، بما يعادل نحو عشر القيمة المقدرة لسان خوسيه.
وبدلا من تحريك السفينة، يقول بوريرو بوجوب ترك السفينة سليمة في قاع البحر، حيث تمثل فرصة للباحثين لتفحّص مثال ممتاز للعولمة، ويضيف: «يمثّل حطام السفن أفضل وسيلة لإعلامنا فيما يتعلّق بإنتاج وتراكم وتوزيع البضائع في الماضي، فهي مثل مدينة عائمة،» مشيرا إلى أن الاختبار يمكن أن يكشف عن كيفية تنقّل الناس عبر البحار وصولا إلى الشيء المهم الذي يفضلونه. «بمقدورنا إعادة بناء تاريخ التجارة العالمية من خلال حطام سفن مثل سان خوسيه.»
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية